Site icon الجهة 8 | جريدة إلكترونية جهوية مُستقلة

طوفان الأقصى: أسباب النزال.. حتمية المآل.. وواجبات الحال.. !

 

في المآلات الحتمية للطوفان (3/4)

شكل هجوم المقاومة الفلسطينية على جيش الاحتلال الصهيوني يوم 7 أكتوبر 2023 لحظة انفجار طوفاني فاصل وغير مسبوق في قوة صَعْقِه، وفي مَدَيات تأثيره المزلزل على مجمل ما كانت عليه الأوضاع فلسطينيا، وصهيونيا، وعربيا، وعالميا. وأيّا ما تكن تقديرات الأوضاع لما بعد طوفان 7 أكتوبر، فإنها لن تخرج عن الوسائل والأهداف المرتبطة تاريخيا بتفجير كافة حروب التحرير: النضال والقتالْ ..من أجل الحرية والاستقلالْ.. !

لذلك وجب القول إن طوفان الأقصى سيكون له ما بعده، باحتمالات ثلاثة لا رابع لها:

ولأننا موقنون عقلا ودينا، وبخبرة التاريخ، من استحالة تحقق الاحتمالين الثاني والثالث، للاعتبارات الموضوعية التالية:

      إسرائيليا، لاستحالة تنازل تيار الصهيونية الفاشية المهيمن سياسيا في “إسرائيل” عن نزوعه الاستيطاني المؤسس على  الأساطير الدينية، والتسليم المُرُّ بدفن حلم الدولة اليهودية الخالصة على كامل تراب فلسطين، والقبول بتهجير المستوطنين، والاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على ما نسبته 22% من أرض فلسطين التاريخية، أي على حدود 1967؛ وأيضا لاستحالة تنازل المسيحية الصهيونية في الولايات الأمريكية المتحدة عن وظيفة قاعدتها العسكرية المتقدمة في قلب منطقة  حساسة في معادلات صراع قيادة العالم، بسبب إرادتين متناقضتين تتعايشان داخل عقل قادتها في البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون: إرادة التخطيط الاستراتيجي الفائق للسيطرة على آبار النفط والغاز وحصار الصين وروسيا وإيران، والاستفراد بقيادة العالم، من جهة؛ وإرادة الدفاع عن إسرائيل باعتباره “واجباً دينياً” يمليه السير في الطريق الطويل نحو المعركة النهائية (هَرْمَجِدّون) التي تسبق عودة المسيح المخلِّص (سفر الرؤيا:16) وفناء العالم، من جهة أخرى؛ وتلك عقيدة مسيحية – يهودية مشتركة تؤمن بمجيء يوم يحدث فيه الصدام العظيم بين قوى الخير والشر – بأعداد تقدرها الأساطير الدينية بمائتي مليون جندي !- على أرض فلسطين في “وادي مجدو“.. !

إسلاميا، لاستحالة ربط الشعب الفلسطيني ومقاومته الإسلامية لعدالة قضية تحرير فلسطين والمسجد الأقصى بوجود أو فناء حماس أو القضاء على أي مقاومة تأتي بعدها، وفي أي مرحلة من مراحل هذا الصراع الوجودي ضد الاحتلال؛ نظرا لإيمانها بالوعد القرآني المعارض للنبوءات التوراتية: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)[1]؛ وتصديقا بنبوءة رسول الله في وصف الفئة التي سيؤول إليها شرف تحرير بيت المقدس من الاحتلال: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْواءٍ، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس)[2] ؛ وهي نبوءة تعني، من جهة المعتقد الديني الإسلامي الذي يؤسس ويوجه فعل المقاومة الإسلامية، استمرار حالة المواجهة على أسس صلبة وصحيحة، واتصاف حمَلة لواء القضية العادلة بقهرهم لعدوهم، أي باستحالة محوهم وإزالتهم رغم ما قد يصيبهم من البلاء؛ ومن جهة ثانية، استحالة قبول الطرف المعتدي (عدوِّهم) بحل سلمي ينهي الصراع ويقيم التعايش في دولتين أو دولة واحدة.

بناء عليه، فإن انتصار المقاومة الفلسطينية في هذه الجولة من الصراع، وانكسار الاستعمار الصهيوني الاستيطاني انكسارا مقدرا بحسب ما تتيحه موازين القوة الظرفية، حتمية صراعية لا تخرج فقط عن القانون الأزلي لقهر الحق المطلق (تحرير الأرض والإنسان والمقدسات)، للباطل المطلق (احتلالها كلها)؛ بل يمليها أيضا تضافر عوامل تاريخية وعسكرية وأخلاقية، ودينية وعالمية، تشكل مجتمعة عناصر مساعدة لفهم وتفسير منطق اشتغال القانون الأزلي (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق/ الأنبياء 18). (في اللغة؛ القَذْفُ: رَمْيُ جِسْمٍ عَلى جِسْمٍ. واسْتُعِيرَ هُنا لِأنَّ ذَلِكَ مِثْلَ رَمْيِ الجِسْمِ المُبْطَلِ بِشَيْءٍ يَأْتِي عَلَيْهِ لِيُتْلِفَهُ أوْ يُشَتِّتَهُ أو يستأصله؛ والدَّمْغُ: كَسْرُ الجِسْمِ الصَّلْبِ الأجْوَفِ؛ الزّاهِقُ: المُنْفَلِتُ مِن مَوْضِعِهِ والهالِكُ). وفيما يلي بيان ذلك:

      بكلمة، إن طوفان الأقصى تم توقيته من طرف المقاومة لإطلاق سيرورة صراعية غير تقليدية تنسف مخططات إعدام فلسطين، وتجعل مطلب التحرير مندرجا ضمن منظور أوسع لصراع موازين القوى بين أمريكا ومن خلفها، والصين وروسيا ومن معهما؛ وهذا الصراع سيتجه حتما نحو إعادة بناء نظام إقليمي شرق أوسطي جديد بدون احتلال، وبدولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة؛ وهو أمر قد يتوقف على بناء نظام عالمي جديد، لا تكون فيه الغلبة للغرب كما كان الأمر منذ ثلاثة قرون. ………….(يتبع (4/4): في واجب الحال الفردي والجماعي).

 

[1] سورة الإسراء، الآية 7.

[2] قال عبد الله بن الإمام أحمد: وجدت بخط أبي، ثم روى بسنده إلى أبي أمامة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْواءٍ، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس“، وأخرجه أيضا الطبراني . قال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات.

Exit mobile version