عبر العديد من المواطنين بالمدينة عن إمتعاضهم من استفحال ظاهرة التسول في الآونة الأخيرة، وبشكل ملفت للنظر، حيث إتسع مدى هذه الظاهرة ليحتل جغرافية المدينة، وتخترق كل فئات اجتماعية عريضة تشمل كل الفئات العمرية، ذكورا وإناثا.
ومع إتساع دائرة التسول، والذي يمكن أن يكون مظهرا لوضعية صعبة تعيشها فئات عريضة من الساكنة المحلية نتيجة لتوالي سنوات الجفاف التنموي، ومحدودية الإقتصاد المحلي المبني على الكفاف، مما جعل المدينة دون أفق قادر على إطلاق دينامية إقتصادية قوية، والتوظيف الأمثل للإمكانيات المحلية المتاحة من أجل إنتشال فئات عريضة من وضعية الفقر والتي تدفع بالعديد من الأشخاص إلى التوجه نحو ممارسة التسول كحل وحيد للحد من وضعية العوز التي يعيشونها؛ إضافة إلى هذا فإن التحولات المجتمعية المتسارعة، أفرزت العديد من الظواهر، متمثلة في التخلي الأسري، الطلاق، فقدان أو غياب المعيل، وتدني المستوى الدراسي والتكويني، وتراجع قيم التضامن العائلي، والحالة الصحية الهشة (إعاقة بدنية أو ذهنية، نفسية)، هذه الجوانب تشكل ركيزة أساسية في انتشار التسول بالمدينة، والذي كان تسولا مرتهنا بالحاجة، وظل ممارسة معزولة و ممكن ضبطها والتحكم فيها، و ظل المواطن متعاطفا معها من منطلقات عدة، رغم أنها لا يمكن أن تشكل بديلا لمسؤولية الجهات الوصية في توفير الحماية الاجتماعية، ولا حلا لإشكالية التنمية، والكفيلة بإخراج المواطن البسيط من حالة الفقر والهشاشة التي تعيشها فئات واسعة من المجتمع المحلي.
ويعيب مواطنو المدينة في تفاعلهم اليومي مع هذه الظاهرة إنتقالها، وتحولها إلى سلوك مستفز بالفضاء العمومي للمدينة، وإلى مهنة مدرّة لأرباح مادية كبيرة توظف فيها كل طرق الاستغلال، والنصب، والاحتيال والتدليس، ومحتلة للعديد من الأماكن العمومية التي تعرف رواجا طوال اليوم وخاصة المساجد الأبناك والسوق المغطاة وأمام مداخل السوق الأسبوعي الى غيرها من الأماكن التي حولها محترفو التسول الى أصول تجارية خاصة تتسبب في حصول مناوشات بين المتسولين للإستفراد بها.
واختلفت آراء، وارتسامات مواطني المدينة كيفية التعامل مع هذه الظاهرة، حيث إعتبر البعض أن التعاطي مع هذه الظاهرة بالمدينة يستوجب تفعيل التدخل الزجري القضائي، ما دام التشريع الوطني قد أحاط بالعديد من جوانب هذه الظاهرة، وخاصة على مستوى القانون الجنائي في الفصول من 326 الى 333، حيث عاقب المشرع على جريمة التسول في الفصل 326 ، حيث إعتبر أن كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بالإمكان الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة لكنه اعتاد ممارسة التسول، بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر، وشدد العقوبة في الفصل 327 حيث رفعها إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة في حق كل متسول ولو كان ذا عاهة أو معدوما لكنه استعمل وسائل التهديد أو التظاهر بالمرض أو تعود اصطحاب طفل من غير فروعه أو التسول جماعة.
وشدد المشرع المغربي العقوبة في الفصل 330 وعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى سنتين الأب أو الأم أو المقدم أو الكافل أو المستغل للأطفال في عملية التسول وكل من له سلطة على طفل إذا سلمه دون مقابل أو بمقابل إلى متشرد أو متسول.
واعتبر مواطنون على أن هذه الآلية الزجرية هي الكفيلة بوقف زحف التسول على الفضاء العمومي للمدينة خاصة أن هناك من المتسولين من يعتبر من ملاك العقارات، وأصحاب سيارات، وبالتالي يجب زجرهم بقوة القانون خاصة الذين يعمدون الى استغلال الفئات الهشة في التسول.
في حين عبر البعض الآخر على ضرورة حماية الفئات الهشة من كل أشكال الاستغلال والمُتاجرة، وخاصة الأطفال والنساء وكبار السن والأشخاص في وضعية إعاقة، على اعتبار التسول هو انتهاك سافر، وخاط بالكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للأشخاص الذين يمارسونها، مع ما يفترضه منطق الحماية من احترام لمقتضيات الدستور، لاسيما في ما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأشخاص في وضعية تسول، دون أي تمييز أو وصم، والهدف الثاني هو ضمان احترام النظام العام، وبلورة سياسات عمومية تهدف إلى محاربة فعالة لهذه الظاهرة، والذي من المفروض أن تنخرط فيها كل الوكالات والبرامج الممولة من المال العام، وكذا تحمل المجالس المنتخبة والسلطات المحلية لمسؤوليتها في خلق ظروف عيش إنسانية لعموم المواطنين، مع تشديد العقوبات على الشبكات و ممارسي التسول المهني، والمتاجرين في التسول.