Site icon الجهة 8 | جريدة إلكترونية جهوية مُستقلة

مولاي الحسن الصوصي يكتب..صرخة لابد منها: الواحات إلى أين؟

تعيش واحات درعة تافيلالت اليوم لحظة فارقة في مسارها التاريخي، لحظة تضع الجميع أمام سؤال مقلق وصريح: إلى أين تمضي الواحات؟

فبعد أن كانت رمزاً للحياة في قلب القاحل، ومنارة للحكمة البيئية والعيش المتوازن مع الطبيعة، أضحت اليوم عنوانا للأزمة البيئية والاجتماعية المركبة، حيث تتقاطع ندرة المياه، وتراجع الغطاء النباتي، وزحف الرمال، مع هشاشة البنية الاقتصادية والاجتماعية للساكنة.

لقد شكلت الواحات عبر قرون نموذجا فريدا للتنمية المستدامة قبل أن تُولد المصطلحات الحديثة، حيث عاش الإنسان في انسجام مع مجاله، مستثمراً موارده المحدودة بوعيٍ جماعي ومسؤولية بيئية. لكن هذا النموذج بدأ يتلاشى بفعل التحولات المناخية من جهة، وبفعل تدخلات بشرية عشوائية من جهة أخرى: استنزاف مفرط للفرشات المائية، وانتشار زراعات دخيلة لا تتلاءم مع خصوصية المجال، وضعف المراقبة والتأطير، وكلها عوامل تهدد بانقراض هذا الإرث الإيكولوجي والحضاري الذي ميز درعة تافيلالت عن غيرها.

اليوم، لم يعد كافياً أن نتحدث عن التغير المناخي كمبرر للانهيار، فالمشكل الحقيقي هو غياب رؤية شمولية واضحة تجعل من حماية الواحات أولوية وطنية. إذ لا يمكن تصور مستقبل مستدام للجهة دون الحفاظ على الماء والنخيل والإنسان، وهي أضلاع مثلث الحياة في الجنوب الشرقي المغربي.
فالتدبير المعقلن للمياه، وإعادة تأهيل الغطاء النباتي، والحد من الزراعات المستنزفة، وتشجيع الطاقات المتجددة، كلها إجراءات باتت ضرورة وجودية لا مجرد توصيات بيئية.

إن درعة تافيلالت، وهي القلب النابض للواحات المغربية، تحتاج اليوم إلى مخطط إنقاذ عاجل يستحضر بعدها البيومناخي ودورها في التوازن البيئي الوطني. فواحاتها ليست مجرد حقول نخيل، بل ذاكرة وكرامة وهوية.
فإذا ما استمر النزيف بالوتيرة الحالية، سنجد أنفسنا أمام اندثار تدريجي لواحات كانت إلى زمن قريب عنواناً للحياة والتاريخ والجمال.

صرختنا اليوم ليست صرخة حنينٍ إلى ماضٍ جميل، بل دعوة للعقل الوطني كي يستفيق.
فالواحات لا تموت في صمتٍ إلا إذا صمتنا جميعاً.
ومغربٌ بلا واحاتٍ، هو مغربٌ فقد ظلاله الأخيرة.

Exit mobile version