مجلس جهة درعة تافيلالت… أزيد من 186 مليون سنتيم لتكوين المنتخبين وإطعامهم و إيواءهم

في الوقت الذي يعيش فيه مواطنو جهة درعة تافيلالت على إيقاع الانتظارات التنموية الكبرى وتصاعد المطالب بفك العزلة وتوفير الماء الصالح للشرب، و رصد جاهزية كبرى للتدخل في حالات الكوارث الطبيعية مثل ما حدث مؤخرا بقصر المنقارة و بحادث واد فزو، فجر مجلس جهة درعة تافيلالت، نقاشا جديدا بإطلاقه لصفقتين “ياذختين” تتعلقان بالإطعام والإيواء من جهة، والتكوين المستمر للمنتخبين من جهة ثانية.

هذه الخطوة التي تأتي والمجلس يلملم أوراقه في نهاية ولايته الانتدابية، تضع تدبير الشأن الجهوي تحت مجهر المساءلة الشعبية، وسط تساؤلات حارقة عن جدوى صرف ملايين السنتيمات في خدمات استهلاكية لا تترك أثراً يمكن قياسه على الأرض، سوى في أرصدة شركات الفنادق والتموين ومكاتب الدراسات والمتورطين في توجيه حصص لابأس بها منها الى جيوبهم.

وتكشف تفاصيل دفاتر التحملات الخاصة بهاتين الصفقتين عن سقف مالي إجمالي يتجاوز المائة و ستة وثمانين مليون سنتيم، (186 مليون)، حيث تم تخصيص ميزانية تقديرية لصفقة الإيواء والإطعام تناهز مائة وعشرة ملايين سنتيم، بينما رصد مبلغ 86 مليون سنتيم لصفقة التكوين المستمر لعام 2025.

و يظهر من خلال القراءة الفاحصة لبنود هذه الصفقات أن هناك إصراراً غريباً على تكريس الرفاهية المفرطة، حيث تفرض دفاتر التحملات توفير فنادق مصنفة، وتقديم وجبات متنوعة تشمل “وجبات العمل” و”الوجبات الفاخرة” أو ما يعرف بـ “Menus de gala”، وهو ما يعكس بذخا لا ينسجم إطلاقا مع الطابع السوسيو-اقتصادي لجهة تصنف الأفقر وطنيا، ويحول ميزانية التنمية إلى مجرد “برستيج” سياسي.

أما على المستوى التنظيمي والمحاسباتي، فإن الصفقتين تعانيان من ثغرات جوهرية، لعل أبرزها غياب آليات ربط النفقة بالنتائج، إذ ركزت الصياغة القانونية لدفاتر التحملات على الوسائل اللوجستية كعدد الوجبات والموائد وجودة القاعات والحقائب البيداغوجية، وأهملت تماماً قياس الأثر الحقيقي لهذه التكوينات.

والأدهى من ذلك، هو تلك العبثية الزمنية المتمثلة في برمجة صفقات تكوينية بمبالغ مهولة لمنتخبين في “سنة ما قبل الرحيل”، فما هي القيمة المضافة من استثمار أموال طائلة لتأهيل منتخبين أوشكت ولايتهم على الانتهاء وقد لا يجدون أنفسهم في المجلس القادم؟ إن هذا التوجه يحول العملية من استثمار في المورد البشري إلى مجرد تمرين مالي لاستنفاد الاعتمادات المرصودة قبل نهاية الولاية.

إن الرأي العام بجهة درعة تافيلالت يتلقى هذه التفاصيل بنوع من الاستياء والصدمة الأخلاقية، فالواقع يفرض توجيه كل درهم نحو مشاريع فك العزلة وإصلاح المسالك القروية، بدلا من صرف أزيد من 186 مليون سنتيم على “الولائم” و”الدروس النظرية” المتأخرة.

إن هذا الإنفاق “المهول” في ربع الساعة الأخير، لا يكتفي باستنزاف الميزانية الاستثمارية للجهة وتقليص هوامش المناورة للمجلس القادم، بل يساهم بشكل مباشر في تزكية صورة “الريع” وترسيخ القناعة بأن مال الجهة يُستخدم كغنيمة لترضية الأطراف وضمان “خروج ناعم” للمدبرين الحاليين.

وفي الختام، يظل السؤال المطروح على سلطات الرقابة هو مدى مطابقة هذه الصفقات لمبدأ ترشيد الإنفاق العمومي الذي تنادي به الدولة. فبينما تُغلق صنابير التمويل عن مشاريع حيوية بدعوى “ندرة الموارد”، تُفتح على مصراعيها لتغطية فواتير الفنادق وحفلات الشاي وتكوينات “الوقت الضائع”، في مشهد يعكس غياب بوصلة تنموية حقيقية وتغليب المنطق الاستهلاكي على حساب تطلعات ساكنة أنهكها الجفاف والتهميش.

Exit mobile version