إن السياسة الاجتماعية كما تحددها الأمم المتحدة هي آلية لبناء مجتمعات تسودها العدالة و الاستقرار، و تتوفر لها مقومات الاستدامة، و لذلك تقع في نطاق اهتمام صانعي سياسات التنمية الوطنية العامة و هي تتخطى السياسات القطاعية و البرامج و الخدمات الاجتماعية، ومنها سياسات التعليم و الصحة و الأمن الاجتماعي ، فالسياسة الاجتماعية تقوم على تحديد الأطر المؤسسية، و الأحكام اللازمة لدمج مبادئ المساواة الاجتماعية، وتخفيف حدة الفقر و الإقصاء الاجتماعي وإخماد بؤرالتوتر الاجتماعي وتحقيق الرفاه العام لجميع المواطنين على اختلاف فئاتهم .
و قبل الغوص في موضوع السياسات الاجتماعية لابد أن نعرج على مفهوم السياسة و النظام السياسي، فالسياسة نوع من الأمور اليومية التي يمارسها المؤيد والمعارض وحتى الرافض للفكرة أساسا، فهي ممارسة تتخذ أشكالا متعددة وتلاوين مختلفة، لذلك نجد أن تعريف السياسة منذ القدم خلق جدلا كبيرا بين كبار المفكرين و الدارسين، بل إن هذا الجدل في حد ذاته “جدل سياسي”.
أما النظام السياسي فهو مجموعة عامة من المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بصياغة الأهداف العامة لمجتمع عام و لمجموعة ضمن هذا المجتمع، و العمل على تنفيذها و دعم قرارات النظام السياسي، وقد يكون ضعف النظام سببا في تحطيم المؤسسات السياسية و فشل السياسة العامة .
إن الباحث في مجال السياسة الاجتماعية بالمغرب يلمس نوعا من الانفتاح كون المغرب صادق على العديد من الاتفاقيات التي تتضمن بنودا تهم بالأساس النهوض بالسياسات الاجتماعية، من خلال توفير مجموعة من الحقوق التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الانسان و العديد من الاتفاقيات الدولية وكذلك القانون الاطار 09.21 المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية والذي استمد مبادئه من المواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب.
فهذه البنود التي جاء بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثلا، تتضمن جميع الحقوق تقريبا، بما في ذلك ليس الحقوق المدنية والسياسية “الكلاسيكية” فحسب، بل تشمل كذلك الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية
والثقافية أيضا .
لكن ما يجب أن تنتبه إليه المؤسسات الرسمية خلال وضعها سياسة عامة تدرج فيها سياسة اجتماعية هو ضرورة التركيز على انسجام هذه الاستراتيجيات مع طبيعة النظام السياسي وخصوصيات الواقع الاجتماعي حيث يفترض في هذا النظام أن يكون مستجيبا للمطالب المجتمعية، الشيء الذي يجعل العملية التنموية تحقق أهدافها و تؤكد نجاعة السياسة العامة للدولة.
ولما كانت التنمية المستدامة عملية مجتمعية تتطلب الجمع بين عدة أبعاد تتمثل في النمو الاقتصادي وارتفاع معدلاته، والاندماج الاجتماعي وتنميته والذي يشمل العمل والغذاء والتعليم والطاقة والرعاية الصحية والماء، وحماية البيئة التي تتضمن حفظ الموارد الطبيعية من أجل الأجيال القادمة، فقد حرصت الدولة بقيادة صاحب الجلالة على تطوير وإعادة هيكلة النموذج التنموي الذي يهدف بالأساس تحقيق هذه الأهداف بشكل يتناسب مع واقع البلاد، وذلك باعتماد عدة إصلاحات في المجالات السياسية والمؤسساتية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية في إطار إستراتيجية واضحة تتضمن أهدافا محددة وقابلة للتحقيق في جميع القطاعات.
فما هو إذن واقع السياسة الاجتماعية بالمغرب ؟ و ما هي التحديات التنموية التي تنتظرها ؟
من خلال هذه التوطئة و الإشكالية المطروحة سنعالج الموضوع في شقين أساسيين حيث سنقسمه إلى مطلبين سنخصص المطلب الأول للإحاطة بواقع السياسة الاجتماعية والمطلب الثاني للتحديات التنموية المنتظرة من خلال تنزيل هذه السياسة .
المطلب الأول : واقع السياسات الاجتماعية بالمغرب
المطلب الثاني : التحديات التنموية للسياسات الاجتماعية
المطلب الأول : واقع السياسات الاجتماعية بالمغرب
إن الحديث عن واقع السياسات الاجتماعية في المغرب يجرنا دائما للتركيز على الاصلاحات الدستورية و القانونية التي نهجها المغرب منذ سنة 2011 حيث كانت الأوضاع في المحيط لا تبشر بالخير، لذا سنتطرق في هذا المطلب للحديث عن السياسات الاجتماعية في ظل دستور 2011 في الفقرة الأولى
ونخصص الفقرة الثانية للحديث عن إشكالية ملائمة هذه السياسات للواقع.
الفقرة الأولى : السياسات الاجتماعية في ظل دستور 2011
المغرب كواحد من البلدان العربية التي تمتاز بموقع جغرافي يؤهله لتشكيل قوة اقتصادية عالمية في العديد من المجالات بسبب التنوع الذي لبث يحظى به من حيث القوة الإنتاجية حيث أنه لم يعد يركز فقط على الفلاحة كمكون أساسي للمنظومة الاقتصادية المغربية، خاصة وأنه أصبح يشكل قوة صناعية في شمال إفريقيا في مجال صناعة السيارات بل يراهن كذلك على الاقتصاد الأزرق كآلية كذلك لتحقيق نهضة اقتصادية في المناطق ذات الواجهات البحرية.
لكن المؤسف هو تطور مؤشر النمو الاقتصادي في مقابل استقرار إن لم نقل تراجع مؤشر التنمية البشرية، الشيء الذي يفرض ضرورة الانتباه و إعادة النظر في السياسات الاجتماعية كأحد أهداف السياسات العمومية للدولة، وعدم السقوط في فخ صندوق النقد الدولي وشروطه المجحفة التي في غالبيتها تؤكد على الدول سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إصلاحات اقتصادية على حساب الإصلاحات الاجتماعية مما يخلق نوعا من عدم التوازن بين السياسات الاقتصادية و السياسات الاجتماعية وقد يساهم القانون 09.21 المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية في خلق نوع من التوازن بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي حيث يتجلى ذلك في سبل التمويل المعتمدة والتي تطرق لها هذا القانون من خلال آليتين أساسيتين الأولى تعتمد على اشتراكات المستفيدين من النظام والثانية تعتمد مبدأ التضامن بين القادرين على تغطية مصاريف الاشتراك وغير القادرين وصندوق المقاصة مع تخصيص جزء من ميزانية الدولة لهذا الغرض إعمالا للفصل 31 من الدستور المغربي، وفي انتظار التقييم يظل ما جاء به القانون 09.21 غير كافي وغير مستجيبا بالشكل الكافي لتطلعات الشعب المغربي لعدة اعتبارات.
و قد أكد الدستور في الفصل 13 على وجه جديد لصياغة السياسات العمومية وفق منطلق الديمقراطية التشاركية حيث أكد على ضرورة إشراك كافة الفاعلين في المجال الاجتماعي في هذا الأمر، و جاء في مضمون هذا الفصل أنه : “تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية و تفعيلها و تنفيذها و تقييمها. ”
و يعتبر هذا المستجد بمثابة شكل جديد من أشكال التجديد في السياسات العمومية عامة و السياسات الاجتماعية خاصة في الإطار الذي تصبو إليه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كورش لإعادة ترتيب العلاقة بين الدولة و المجتمع، وفي السياق الذي ينخرط فيه مغرب اليوم نحو منحى تعاقدي قائم على البعد العلائقي، والترابطي والتفاعلي بين مختلف المتدخلين في إعداد و تفعيل و تنفيذ و تقييم السياسات العمومية كقطب متجانس في انفتاح و تكامل جيد مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين .
و هذا يؤكد إرادة الدولة المغربية على التأسيس لمجتمع المواطنة في أبعاده الاجتماعية، فالذي يتمعن في الفصلين 13 و 31 يجد أن الدولة المغربية جسدت من خلالهما إنخراطها في المواثيق و الاتفاقيات الدولية و الإقليمية لحقوق الإنسان، و كذلك تسعى إلى الرفع من مستويات مؤشرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي و الأهداف الألفية.
و من هنا يمكن الإقرار بأن لهذه الحقوق دلالة اجتماعية تعني حق كل مواطن في الحصول على فرص متساوية لتطوير جودة الحياة التي يعيشها، و يتطلب ذلك توفير الخدمات العامة للمواطنين، وخاصة الفقراء و المهمشين، وإيجاد شبكة أمان اجتماعي لحماية الفئات المستضعفة في المجتمع .
وهناك أيضا العديد من القوانين التنظيمية التي تؤكد و ترسخ مبدأ الديمقراطية التشاركية خاصة في ما يخص إشراك الفاعلين سواء في القطاع الخاص أو الفاعلين في الميدان الاجتماعي في صنع السياسات العمومية بشكل عام و السياسيات الاجتماعية بشكل خاص، لكن الإشكال الذي يطرح نفسه هو هل يتم تنزيل هذه المكتسبات القانونية و الدستورية كما يجب ؟ و إذا كان تنزيلها سليما هل يتم تفادي صنع سياسة اجتماعية غير ملائمة للواقع الاجتماعي ؟
الفقرة الثانية : إشكالية ملائمة السياسات الاجتماعية لواقع المغرب
السياسة الاجتماعية تتطلب التوافق و الانسجام مع طبيعة النظام السياسي القائم الذي يفترض فيه أن يكون مستجيبا للمتطلبات الاجتماعية الساعية أساسا إلى بلوغ مؤشرات مرتفعة في التنمية و العمل على صنع سياسة اجتماعية تلائم واقع المجتمع و تحترم خصوصيته الثقافية وبعده الجغرافي، و عموما فإن وضع سياسة اجتماعية ملائمة و شاملة لا يمكن أن يتم بدون وضع إستراتيجية اقتصادية هادفة و شاملة أيضا.
لكن هذا يتطلب الرجوع إلى المرتكزات الدستورية و القانونية التي جعلها المغرب كمبادئ أساسية يرتكز عليها الفاعلين عند وضع سياسات الدولة العمومية كالديموقراطية التشاركية مثلا و إشراك جميع الفاعلين في اقتراح الخطوط العريضة للسياسات الاجتماعية خاصة و أنهم أقرب للمواطن و أقرب للواقع بشكل يسمح لهم بالإطلاع على الحاجيات التي يحتاجها المجال الذي يتواجدون فيه.
و أيضا يجب الأخذ بعين الاعتبار المعطى الثقافي المتميز بنسبة أمية كبيرة و تفاوت اقتصادي بين طبقات المجتمع، مما يؤثر على نسبة و طريقة إشراك كل فئات المجتمع في عملية اتخاذ القرار العمومي ، خاصة و أن المجتمع المغربي يشهد غيابا تاما للطبقة المتوسطة الشيء الذي يفرض دق ناقوس الخطر عند وضع السياسات حتى تكون ملائمة للواقع و الابتعاد عن منطق الاسقاطات، و الاعتماد على النماذج الدولية الجاهزة التي تزيد الطين بلة و لا تصلح شيئا، هذا ناهيك عن غياب استراتيجية بعيدة المدى لدى الدولة المغربية في مجال السياسات الاجتماعية، حيث نلاحظ أنه عند كل أزمة اجتماعية تكون هناك وصفة جاهزة دون تأصيل المشكل و تداعياته، مما يظهر معه أن الحكومة تنفرد بصنع السياسات الاجتماعية دون إشراك الفاعلين والمتدخلين الذين منح لهم الدستور شرعية المشاركة في اتخاذ القرار و تقييمه و تنفيذه.
و كذلك عندما نمعن النظر في واقع الحال بالنسبة للسياسات الاجتماعية نجد أنه تعتريها العديد من المشاكل والنواقص في مجموعة من المجالات نذكر منها إشكالية الحماية الاجتماعية للأطفال و حوادث الشغل و الأمراض المهنية و الأشخاص الموجودين في حالة بطالة و نظام التغطية الصحية، و هذا ما جاء في تقرير المجلس الاجتماعي والاقتصادي و البيئي باعتباره هيئة استشارية تشكل المنظومة المؤسساتية بالمغرب، حيث اعتبر أن إشكالية حوادث الشغل و الأمراض المهنية هي بمثابة مخاطر اجتماعية كبرى يؤطرها نظام تأمين متقادم و غير منصف، خاصة إذا علمنا أنه في المغرب لاتزال شركات التأمين تدبر قطاع التأمين عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية منذ سنة 1927 بناء على ظهير مستمد من قانون فرنسي يعود إلى سنة 1898، رغم تعديله سنة 2002 إلا أن هذا التعديل لم يفلح في إصلاح هذا القانون بل ظل محافظا على مبادئه و أسسه التي استند عليها، و رغم توالي التعديلات سنة 2003 و 2014 إلا أنها لم تمس جوهر المشكل و هو تعميم الحماية الاجتماعية للعمال و ظل هذا سببا لتدني المغرب في مستويات مجال الحماية الاجتماعية و التنمية البشرية .
لتحليل الوضعية الاجتماعية في المغرب لا بد من الرجوع شيئا ما إلى الوراء خصوصا إلى مرحلة سياسات التقويم الهيكلي في الثمانينات، فالقرار السياسي لهذه المرحلة والذي فرض ضرورة الحفاظ على التوازنات العامة، والحد من التضخم بنهج سياسة التقشف لتمكين الدولة من جمع قواها لإنقاذ نزيفها الاقتصادي، ومن تم الرفع من مؤشرات النمو الاقتصادي واستثماره في تحسين مستويات مؤشرات التنمية الاجتماعية لم يفرز إلا نتائج معاكسة أدت إلى تعميق الأزمة الاجتماعية، فما تم استخلاصه دوما جراء التقشف في مصاريف التسيير(الفائض) لم يخصص للاستثمار بل استفاد منه رعاة الفساد، ولم ينجح المغرب في خلق طبقة اجتماعية وسطى تلعب دور الوساطة في إنعاش الاقتصاد الوطني، كما أن انعدام الشفافية في تدبير الشأن العام بسبب الفساد الإداري أدى إلى ضياع فرصة توجيه الموارد المالية العمومية لتنمية الطبقات الاجتماعية المهمشة .
و لعل الدولة قد تنبهت لهذه المشاكل و حاولت إصلاحها بإطلاق أوراش كبرى كالجهوية الموسعة و الجهوية المتقدمة واعتماد النظام اللامركزي و التقسيم الجهوي الذي قلص عدد الجهات بالمغرب من 16 جهة إلى 12 جهة لكن هذا التقسيم للأسف كنا ننتظر منه أن يكون منصفا لكنه جاء شبيها بعزل المناطق الفقيرة و الأقل فقرا منها في نطاق جغرافي موحد، و الجهات المتقدمة اقتصاديا في نطاق جغرافي آخر، ليس الإشكال في التقسيم بقدر ما يتجسد في التهميش و تركيز المشاريع التنموية والاستثمارات في جهات دون جهات أخرى، أي تغييب مبدأ العدالة المجالية في أبعاده و تجلياته الكبرى، و هذا يعطينا انطباعا على المخططات التي تأتينا بمنطق الإسقاطات ولا تأتينا بمنطق الدراسات التشاركية، خاصة و أن المرحلة القادمة تحتم على الجميع الانخراط الفعال والإيجابي كل من موقعه، فهي ليست مرحلة للنقد بقدر ما هي مرحلة للبناء، لذلك فالكل مدعو إلى المساهمة في وضع أسس إستراتيجية واضحة المعالم، خاصة مع كل التأثيرات والمتغيرات التي خلفها وسيخلفها الوباء على العالم بشكل عام، لذا يجب علينا كفاعلين في مختلف المجالات العمل على ابتكار استراتيجية توافقية شاملة تتماشى مع المتغيرات الجديدة التي ستلقي بظلالها على العالم.
المطلب الثاني : التحديات التنموية للسياسات الاجتماعية
تتميز السياسات العمومية المغربية بنوع من القصور من حيث شموليتها ومنهجية تنزيلها على أرض الواقع بشكل يجعل العواقب تكون مزدوجة تجمع بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي، لكن تجاوز هذه العقبات ليس مستحيلا، يحتاج إرادة حقيقية فقط وهذا ما سنركز عليه في هذا المطلب، حيث سنتحدث في الفقرة الأولى عن المأمول اقتصاديا، وفي الفقرة الثانية عن المأمول اجتماعيا.
الفقرة الثانية : المأمول اقتصاديا.
إن إحداث تغييرات جذرية في هيكل الاقتصاد الوطني يؤدي عموما إلى زيادة مطردة في معدل نمو الدخل القومي، بحيث تؤدي هذه الزيادة إلى التغلب على المشاكل التي تواجهها الدولة، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع في مستوى معيشة الأفراد، ويشهد النمو الاقتصادي في المغرب حالة خاصة بعض الشيء، إذ أن هناك حالة من التقلب الواضح بسبب إعتماد البلاد على القطاع الزراعي غير المستقر والذي يتأثر بأوضاع المناخ، وهذا ما وضحته بيانات “الحسابات القومية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادي” حسب توقع البنك المركزي المغربي، وأشارت تقديرات “البنك المركزي المغربي” إلي تراجع النمو الإقتصادي للبلاد إلى 2.7% خلال 2019، مقارنة مع سنة 2018 والتي سجل فيها معدل 3.1% ، على أن يعاود الصعود مجددا إلى 3.9% في 2020، و يوضح المبيان التالي حجم الزيادة المضطردة لإجمالي الناتج الداخلي الخام من سنة 2009 إلى 2018 :
وصرح المركز المغربي أن الاقتصاد سيعرف انكماشا بحوالي 3.2%.، حيث أن معدل انكماش اقتصاد المملكة سيناهز 4.8% حسب أحد الباحثين، وهو ما يوافق ما جاءت به مؤسسة “فيتش” بعد ذلك، والتي ذهبت إلى أن الاقتصاد الوطني سينكمش بحوالي 4.5 في المئة ، وهذا بسبب تداعيات الجفاف و فيروس كورونا الذي يلقي بظلاله على العالم بأسره وليس المغرب فقط، مما ينذر بمعدلات أكبر للبطالة والفقر و الهشاشة، حيث أن الإقلاع سيستغرق وقتا طويلا قد يصل إلى 10 سنوات او أكثر، وهذا ما كان يجب أن ينتبه له منجزو النموذج التنموي.
لكن رغم صعوبة المرحلة إلا أن الإصلاح ليس مستحيلا خاصة إذا ما أمعنا النظر في النموذج الألماني ومبادئ بيسمارك التي استمرت عبر الزمن وأعادت توهج المنظومة الاقتصادية لألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت رابع قوة عالمية في مجموعة من المجالات.
لكن يظل ذلك رهينا بخلق سوق تنافسية حرة وعادلة، ودعم منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني خاصة في العالم القروي و الجهات المعروفة بارتفاع نسبة البطالة والفقر والهشاشة و الأمية، ولا ننسى كذلك احترام الخصوصيات المجالية في تنزيل المشاريع الاقتصادية والتنموية، وما لا يجب أن نغفل عنه هو وضع نظام جبائي عادل و مشجع أيضا تكون له القدرة على المزاوجة بين الاستخلاص الضريبي و تشجيع المستثمرين المغاربة والأجانب.
الفقرة الأولى : المأمول اجتماعيا
يشكل القطاع الاجتماعي والتضامني دعامة مهمة للتوجهات الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تحقق التغيير والطفرة النوعية لأي تقدم فعلي، لأن النهوض بالعقول من شأنه أن يقود المجتمعات إلى التفكير الإبداعي والابتكار، وبالتالي إعادة بناء منظومة القيم الاجتماعية وتنمية حس المواطنة ، لأنها تنطلق أولا من تقديس قيمة العمل والتآزر لحل المشاكل، ولأنها من طبيعتها اجتماعية.
وتستدعي المناطق القروية في المغرب جهودا كبيرة من المسؤلين، من أجل تنميتها والنهوض بها، وذلك نظرا للأهمية التي يكتسيها العالم القروي بالمغرب، حيث يغطي 90 في المائة من المساحة الإجمالية للبلاد، ويمثل حوالي 13.5 مليون نسمة (40% من ساكني البلاد)، كما يضم 85% من الجماعات ( أي 1282 جماعة قروية من بين 1503)، وعلى صعيد آخر فإن 13% من الجماعات القروية تتوفر على مركز حضري، كما تبلغ المساحة الإجمالية للمغرب حوالي 71 مليون هكتار، منها 8.7 ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة .
وفيما يلي يتضح التطور الملحوظ لمؤشر التنمية البشرية في المغرب، وذلك منذ بداية التسعينات حتى 2017:
وتجدر الإشارة إلى أن الجهود التي قامت بها الدولة المغربية للنهوض بالتنمية الاجتماعية عرفت تقدما ملحوظا في السنوات الأخيرة، وتتضح في تطور عدة مؤشرات منها: أن العمر المتوقع عند الميلاد ارتفع من 47 سنة في عام 1962( 57 في الوسط الحضري و 43 في الوسط القروي) إلى 75.5 سنة في 2014 (77.8 في الوسط الحضري و 72.6 في الوسط القروي) ، ثم إن منظومة التربية والتكوين قد عرفت تقدما على مستوى الالتحاق بالمدارس ، كما بلغ معدل الولوج إلى مياه الشرب 95% عام 2014 مقابل 14% عام 1995، وأخيرا بلغت نسبة ولوج السكان إلى الشبكات الطرقية 85% في يوليو 2016 .
كما تم إنشاء الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية في 2011، ومهمتها توفير التعليم لكل المواطنين الذين لم تسعفهم الظروف على التعليم، وذلك عن طريق عقد شراكات مع فعاليات المجتمع المدني كالجمعيات وغيرها، ومع ذلك نجد نسبة الأمية في المغرب حسب تقرير أصدرته المندوبية السامية للتخطيط تبلغ 41.9% بالنسبة للإناث مقابل 22.1% بالنسبة للذكور سنة 2014 .
كلها أسباب و أخرى دفعت المغرب للإهتمام بتطوير رؤية شاملة للنهوض بالبنية التحتية وشبكات الطرق، والإهتمام بالتنمية الحضرية وتحقيق تقدم ملحوظ في الاقتصاد وجعله اقتصاد متنوع غير مقتصر علي القطاع الزراعي بشكل أساسي، بالإضافة لمحاولة حل مشكلة الفقر والبطالة عن طريق الاهتمام بعدة جوانب لعل أهمها النهوض بالتعليم والتركيز على المشروعات وجذب الاستثمارات، وفي سبيل تدعيم الديمقراطية تم إجراء إصلاحات مؤسسية والاهتمام بالمشاركة السياسية وإدماج الشباب في العملية السياسية، فضلا عن محاولة التقليل من التحكم المركزي للدولة في مجموعة من المجالات والاهتمام بتدعيم الجهات ومحاولة العمل على ترسيخ مبدأ التضامن ووضع استراتيجيات تحترم الخصوصيات المجالية، كما أن جهود المغرب تتجه أساسا نحو التغلب على المشكلات العديدة التي تواجهه وعلى رأسها الفساد والبطالة والهشاشة الاجتماعية ومحاولة خلق طبقة اجتماعية وسطى تعيد التوازن للمناخ الاجتماعي المغربي.
وختاما ارتأينا تسجيل بعض المقترحات التي قد تساهم الى حد ما في الدفع بالأوراش الاجتماعية نحو تحقيق أهدافها المنشودة.
مقترحات
تأسيس هيئات مكافحة فساد مستقلة سياسيًا وتتمتع بموارد كافية يناط بها قيادة محاربة الفساد, مع ضمان الحماية للمبلغين عن الفساد، وإدماج المواطنين والمجتمع المدني في محاربته والإبلاغ عنه وتشجيع ذلك من قبل مؤسسات المجتمع المدني.
إلزام جميع المسئولين في القطاع العام بتقديم إقرارات الذمة المالية وتوفيرها للعامة، وتفعيل مدونات السلوك للموظفين العموميين.
التسريع بوضع سجل اجتماعي يتم بموجبه إحصاء الفئات الهشة في المجتمع المغربي وتمكينها من الحقوق التي تكفل لها شروط العيش الكريم وإدماجها ضمن منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني بشكل يجعلها من أهم الفاعلين في تحريك عجلة التنمية بالمنظور الاقتصادي والاجتماعي في نفس الوقت.
اعتماد العدالة المجالية وترسيخ المبادئ الدستورية التي في مجملها تدور حول الحكامة في جميع الجوانب، مع ضرورة وضع استراتيجيات عمومية منبعثة من المجتمع والابتعاد عن السياسات الجاهزة التي تأتينا بمنطق التبعية ويتم إسقاطها في إغفال تام للفوارق الاقتصادية والاجتماعية و القانونية، ويكون مصيرها الفشل دائما.