الرشيديةمجتمع

الطاوس…ملائكة تموت في جنة عدن المعدنية

يبلغ عدد السكان  في جماعة الطاوس حسب الإحصاء العام لسنة 2014، 6,792 نسمة  ومن المعلوم أن جماعة الطاوس تتوفر على مؤهلات طبيعية كبيرة تمكن من تحقيق تنمية للجماعة في حال تبني مقاربات تنموية تجعل منطلقها الإنسان والمؤهلات الطبيعية والسياحية.

فجماعة الطاوس التي تبعد عن مدينة الرشيدية كعاصمة لجهة درعة تافيلالت بحوالي 150 كيلومتر جنوب شرق، وعن موقع مدينة سجلماسة الأثرية بحوالي 60 كيلومترا إلى الشرق، ولا يفصلها عن مركز تلك الجماعة المتاخمة للجزائر سوى أربعة كيلومترات غربا، وتحديدا عند جبل واوفيلال وجبل تداوت وكفيرون، تزخر بالعديد من الموارد الهامة والتي نذكر منها الثروة المعدنية، حيث تعرف منطقة الطاوس بتوافر ثروة معدنية مهمة من معادن الرصاص الزنك، البريتين، مقالع الرخام، والمنتشرة على كافة الاتجاهات الجغرافية للطاوس والتي نذكر منها مناطق ازرقم ،أم افيس، بوايزران، تزي ن الرصاص، تيجخت إلى اغف ن كمون بتفروات ن ايت خباش.

أما على المستوى الفلاحي ورغم سيادة النمط الفلاحي المعيشي، إلا أنه ذو مردودبة مهمة لعيش الساكنة، ومن المعلوم أن المنطقة تزخر بالعديد من الضايات كضاية السرجي، والعديد من الخطارات وكذا السهول الفيضية  كسهل الخملية، سهب,النعامية ولمعيدر ايت خباش…إضافة الى العديد من  الواحات الطبيعية المنتشرة في كل ربوع هذه المنطقة: ازرقام صفصاف، مدجاخ، اشكيك، حمو غانم، بولهويش ..

أما فيما يخص المؤهلات السياحية فالطاوس تعرف بكثبانها الرملية الطبيعية الخلابة : ارك الشابي، ارك ازنيكي، ارك اوزينا، بحيرة السرجي، الخطارات، دون أن ننسى الإرث الأركيولوجي المهم والمتمثل في النقوش ما قبل تاريخية و التي تقدر روايات الباحثين والمهتمين بعلم الآثار عمرها بما بين 4000 و7000 سنة قبل الميلاد إضافة الى وجود ما يعرف عند علماء الآثار بالمقابر المدفنية أو Les Tumulus، وهي معطيات لطالما جذبت العديد من السياح والباحثين لسبر أغوارها. كما أن انتشار الكثبان الرملية جعلت من المنطقة وجهة مهمة للسياح سواء من الداخل والخارج مع انتشار للرياضات الميكانيكية والسياحة الإستشفائية، دون أن ننسى على أن هذه المعطيات الطبيعية لجماعة الطاوس شكلت مصدر جذب وإلهام للمهتمين والمشتغلين بالقطاع السينمائي دوليا حيث احتضنت الطاوس إنجاز العديد من الأفلام الدولية الشهيرة : ك ، Hidalgo ; secret du Sahara ; la Momie Légionnaire ;Hidalgo ; secret Légionnaire دون أن نغفل الثروة البشرية المهمة لجماعة الطاوس والتي تشتغل بمبادرات فردية خاصة للبحث عن لقمة العيش وتنمية المنطقة في غياب أي دعم من مؤسسات الدولة مما يجعل شباب المنطقة يتوجه نحو البحث عن التمويل الدولي من خلال منظمات المدنية والتنموية.

إلا أن الغريب هو أن المنطقة و بكل هذه الإمكانيات الإقتصادية والتنموية مقارنة مع عدد الساكنة لم تستطع  انجاز مقومات البنية التحتية  القوية، خاصة الطرق و الماء و الكهرباء و التعليم و الصحة  وظلت الساكنة تعيش وضعية خصاص مدقع على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية، من مراكز استشفائية، تعليمية وترفيهية موجهة للشباب، وكذا الخصاص المهول على مستوى البنية الطرقية، وظلت عاجزة لعقود عن تحقيق التنمية المحلية و الإقلاع الاقتصادي و بالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي.

إن تغييب  العناصر الأساسية  المتوفرة لمنطقة الطاوس لتحقيق التنمية العادلة المنشودة  جعل الساكنة تعيش وضعية اجتماعية صعبة و خاصة بالنسبة للعديد من الأسر ذات الدخل المحدود أو المنعدمة الدخل وخاصة  لبعض الأسر من الرحل التي فرضت عليها الظروف الاستقرار في قصور جماعة الطاوس وأصبحت تعيش على ما يجود به الجيران والمحسنين، إذ لولا قيم التضامن المتجذرة في قيم ساكنة الجنوب الشرقي لأصبحت العديد من الأسر في وضعية تشرد تام، في الوقت الذي تمر يوميا وعلى مرآى منهم شاحنات محملة بثروات معدنية هامة تجود بها أرضهم دون أن يستفيدوا منها شيئا، في ظل سيادة منطق التوحش الذي يهيمن على تفكير أصحاب الشركات المستغلة للمعادن والذي يصبح معه تنمية الجانب الاجتماعي للساكنة مجرد إشاعة، فالكسب هو المهم والأساسي أما الإنسان فهو مجرد حادث عرضي، أما المساهمة في تنمية المجال فهو حديث لا مفكر فيه بالمطلق.

إن ما دفع جماعة الطاوس لتتصدر واجهة الأحداث، ليس ما وصلته في سلم التنمية، أو شيئا من هذا القبيل، ما جعلها في واجهة الأحداث هو وفاة ثلاثة تلاميذ في عمر الزهور تحت سور مستوصف، تم بناؤه منذ مطلع القرن الجاري، رحل أطفال في غفلة من الجميع، في غفلة من سلطات لا تمارس مهامها الرقابية، ومجالس منتخبة همها الوحيد الانتقام ممن لم يصوت لصالحها، وجني بعض التعويض المعنوي والرمزي المفقود، ومصالح خارجية للوزارات همها أن تشنف آذاننا بأرقام جوفاء، لا تحدث أثرا في الواقع …. لنعد للبداية.

عائلات فقيرة ومكلومة

عائلة الأطفال الضحايا، تعاني الفقر المدقع فبالنسبة لأم الطفلين الذي توفي أحدهما و نقل الآخر للمستعجلات، هي الزوجة الثانية لأب الطفلين، بعد أن سبق وفقد زوجته الأولى التي  توفيت بعد تعرضها لعضة أفعى وفارقت الحياة في الطريق نحو مستشفى مولاي علي الشريف، وكذلك الإبن الأول من الزوجة الاولى  توفي بعضة أفعى، أي أن هذه العائلة سبق وفقدت فردين منها بلذغات الأفاعي، أما بالنسبة لأم الطفل الثالث الضحية وعائلتها فهي تعيش كذلك وضع فقر مدقع بحيث أن بعض العائلات المجاورة هي من قامت بإكتراء منزل لإقامة هذه الأسرة، بسبب رب الأسرة، بحيث ليس لهذه الأسرة القدرة ولا الموارد لتأمين عيش كريم، وهو ما يظهر على حالة الطفل سعيد كما صرح البعض بحيث ينتعل نعلا بلاستيكيا طول السنة ولو في فترات البرد القارس، وأسمالا بالية متآكلة .

بالنسبة لسور المستوصف، فحسب مختصين، هو مبني بدون دعامات حديدية كافية، إلا أن مدة وقوفه هناك و عوامل الطبيعة من الممكن أن تكون قد تسبب في تآكله و اهترائه حتى سقط على رؤوس الأطفال، أما بالنسبة للعائلات التي فقدت أبناءها فهي من القبائل الرحل و إحداها التي فقدت طفلين في هذه الحادثة، كانت قد فقدت إبنها البكر البالغ عشر سنوات، حيث تكفل مجموعة من المحسنين بدراستهم، بعد إقناع الأم بضرورة تمدرسهم بعيدا عن حياة الرحل.

الطفلين تم تسجيلهم في إحدى المدارس التي تبعد عن القصر بكيلومترين اثنين، وللأسف في يوم الثلاثاء يوم الحادثة، توجه الأطفال الثلاث نحو المدرسة لحضور إحدى الحصص فهبت ريحا قوية اضطروا معها للاحتماء بسور المستوصف فانهار السور فوق رؤوسهم من قوة الرياح وفقدت هذه الاسرة أحد أبنائها في الحين، ونقل الثاني نحو المستعجلات، ما دفع الأم إلى التصريح بألم وحسرة، كونها السبب في وفاتهم بأن دفعت بهم إلى لتمدرس وانها لو تركتهم في حياة الترحال والرعي لما وقع ما وقع، فالرعي أفضل لهم من الموت، ونفس الواقع ينسحب على الاسرة الثانية، فهي كذلك من العائلات الرحل التي استقرت بالطاوس القديم وأب الأسرة عمل في الجندية منذ زمن، وتعاني ظروفا صعبة جدا .

تفاعلا مع الفاجعة

طلب النائب البرلماني عن دائرة الرشيدية حميد نوغو من وزير الصحة والحماية الإجتماعية بفتح تحقيق شفاف ونزيه لمعرفة ملابسات فاجعة السقوط الجزئي للسور الخارجي للمستوصف القروي للطاوس بإقليم الرشيدية والذي أودى بحياة ثلاثة اطفال واصابة اخر بجروح بليغة .

وقال البرلماني  في سؤال كتابي موجه إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية أن الجماعة الترابية الطاووس عرفت، الثلاثاء 24ماي من السنة الجارية، فاجعة مؤلمة تمثلت في سقوط أحد أسوار المستوصف القروي لقصر الطاووس مخلفا وفاة ثلاثة تلاميذ يدرسون بالمدرسة الابتدائية، وإصابة رابع نقل على إثرها إلى المستشفى الجهوي مولاي علي الشريف لتلقي العلاجات اللازمة.

وأضاف البرلماني ذاته أنه “صلة بالفاجعة الأليمة، تعاني المنظومة الصحية بالجماعة الترابية الطاووس، دائرة الريصاني التابعة لإقليم الرشيدية، خصاصا مهولا في البنية التحتية في ظل غياب مستشفى يليق بمكانة المنطقة المعروفة عالميا”.

وطالب البرلماني المذكور وزير الصحة والحماية الاجتماعية بفتح تحقيق شفاف ونزيه لمعرفة ملابسات هذه الفاجعة الأليمة، متسائلا عن الإجراءات العاجلة التي ستتخذها الوزارة لإصلاح المستوصف لكي لا يتكرر هذا الحادث مستقبلا.

ساكنة جماعة الطاووس تحتج…وجمعويون ينددون

طالبت الساكنة بفتح تحقيق في ملابسات الحادث الذي أودى بحياة ثلاثة أطفال، تتراوح أعمارهم بين 10 و 12 سنة، وإصابة آخر .واعتبر المحتجون أن منطقة الطاوس الحدودية تعاني من “التهميش الممنهج” من طرف الجهات المسؤولة، ومن غياب البنايات الصحية الأساسية مما يعرض الساكنة باستمرار للخطر.

فيما أعتبر أحد  الفاعلين  الجمعوي من منطقة الطاووس أن “الأطفال الأربعة كانوا يستندون إلى الحائط المنهار حين مرور عاصفة رملية قوية”، موضحا أن السور المنهار “ربما تشوبه اختلالات بنيوية وتقنية (الغش في الأشغال)، ما أدى إلى انهياره بسرعة وتسبب في فاجعة”.

وأكد أن “هذه الفاجعة لا يجب أن تمر مرور الكرام، وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته، سواء تعلق الأمر بالمقاولة التي شيدت السور الخارجي للمركز الصحي، أو اللجان التقنية المكلفة بتتبع أشغال هذه المؤسسة الصحية التي أصبحت في رمشة عين نقمة على الساكنة المحلية”، على حد تعبيره.

وطالبت الساكنة السلطات المختصة المكلفة بفتح تحقيق لتحديد كافة ظروف وملابسات الحادث، أن تقوم بجرد جميع الاختلالات والأسباب وراء انهيار هذا الحائط، وإظهار مدى تطابق الأشغال مع ما جاء في دفتر التحملات، سواء في ما يتعلق بالحديد أو الإسمنت، أو غيره من الأمورو متابعة جميع المتورطين.

وأجمع عدد من أبناء منطقة الطاووس في مطالبة   الدولة والمؤسسات العمومية بتعيين لجان لمراقبة الأشغال يكون على رأسها أشخاص ذوو كفاءة ودراية بالأشغال العمومية، مؤكدين أن نسبة كبيرة من لجان مراقبة الأشغال حاليا، سواء تعلق الأمر بالمصالح التقنية أو مختبرات ومكاتب الدراسات، يوجد على رأسها أشخاص ليست لديهم خبرة كافية في الأشغال العمومية، ومنهم من يتواطؤون مع المقاولات على حساب حياة المواطنين.

السلطات تفتح تحقيقا في الحادث

فتحت السلطات المختصة بحثا لتحديد ظروف وملابسات حادث انهيار جزء من سور المركز الصحي « الطاوس » بالراشيدية، نتج عنه وفاة ثلاثة أطفال واصابة اخر بجروح خطيرة.و بأن التحقيق سيشمل أيضا جميع المشرفين على تتبع الأشغال، والمقاولة المكلفة بالبناء، وفي حالة ثبوت حالات الغش في الأشغال، فإن السلطات المختصة ستقدم المتورطين إلى المحاكمة لنيل جزائهم. وأكد ذات المصدر على أن “هناك تعليمات من المصالح المركزية بفتح تحقيق نزيه وشفاف في هذه الفاجعة وعدم التساهل مع أي كان مهما كانت مكانته المجتمعية أو صفته الإدارية، والسلطات المختصة ستصدر بيانا بعد انتهاء التحقيق لإخبار الرأي العام بجميع المستجدات.

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى