
بقلم سعيد امحمدي
تكرار التشخيص .. وضياع التنفيذ!
منذ الخطاب الملكي الذي دعا إلى إطلاق برامج تنموية من الجيل الجديد، تشهد مختلف عمالات وأقاليم المملكة مشاوراتٍ واسعة لوضع تصورات جديدة لهذه البرامج. غير أن هذه الدينامية تأتي، مرة أخرى، في ظلّ تجاهلٍ شبه تامٍّ للمجهودات السابقة التي بُذلت في إطار الحوار الوطني حول النموذج التنموي الجديد ومخرجاته التي قُدّمت للملك سنة 2021.
لقد عرفت بلادنا، منذ الشروع في الجهوية المتقدمة سنة 2015، مسارًا غنيًّا من المشاورات واللقاءات التي أفرزت البرامج الجهوية للتنمية، كما نصّ عليها القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات. وكانت الغاية منها رسم خارطة طريق تنموية تراعي خصوصيات كل جهة. كما أُلزِمت الجماعات الترابية بإعداد برامج تنمية محلية بعد انتخاب مكاتبها، تشمل تشخيصًا دقيقًا للحاجيات وتخطيطًا استراتيجيًا للمشاريع ذات الأولوية.
غير أنّ الحصيلة الواقعية تُظهر أنّ مئات الدراسات والبرامج ظلّت حبيسة الرفوف، رغم الأموال الضخمة التي خُصِّصت لمكاتب الدراسات والورشات التشاورية.
ففي جهة درعة-تافيلالت مثلًا، أنجزت الجماعات والمجالس الإقليمية عدداً كبيراً من الدراسات حول الماء والفلاحة والبنية التحتية القروية والسياحة الواحية، غير أن أغلب هذه المشاريع لم تتجاوز مرحلة التصور الورقي.
وقد شاركتُ شخصيًا في اللقاءات التشاورية لإعداد البرامج الجهوية للتنمية، ضمن اللجنة الاستشارية للشباب والمجتمع المدني التي تشرفت بعضويتها 2015-2021، حيث قدّمنا نحن الشباب مجموعةً من المقترحات العملية التي تم أخذها بعين الاعتبار في مختلف القطاعات في إعداد البرنامج.
في مجال التعليم مثلًا، طالبنا بـ تعميم المنح الجامعية على طلبة الجهة، وإحداث جامعة مستقلة بالجهة، وبناء كلية للطب والصيدلة، إلى جانب توسيع العرض الجامعي ليستجيب لتزايد عدد الطلبة.
وفي قطاع الصحة، شدّدنا على ضرورة بناء مستشفى جامعي جهوي، ومعالجة الخصاص في الأطر الطبية وشبه الطبية، وتعميم التغطية الصحية بشكل فعلي وعادل بين الأقاليم.
لقد كانت تلك المقترحات ثمرة نقاشات عميقة، جسّدت إرادة الشباب في الإسهام الجاد في التنمية الترابية، لكنها – للأسف – ما زالت تنتظر طريقها إلى التنفيذ الملموس على أرض الواقع.
فهل الخلل في مرحلة التشخيص؟
أم أنّ المشكل الحقيقي يكمن في ضعف التنفيذ، وفي غياب آلية مؤسساتية قادرة على متابعة ما تم التخطيط له؟ أم هي غياب الإرادة السياسية الحقيقة في حل جل الإشكالات ؟!
وها نحن اليوم نُعيد الكرّة من جديد: مشاوراتٌ جديدة، لجانٌ جديدة، وخُططٌ جديدة … بينما المؤسسات الترابية التي أُحدِثت أصلًا لتدبير التنمية لا تزال على الهامش !!
إنّ المطلوب اليوم ليس إطلاق برامج جديدة بقدر ما هو تفعيل ما هو قائم، وبناء جيل جديد من البرامج المندمجة التي تُترجم الرؤى إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع.
فالمواطن لا ينتظر دراساتٍ إضافية، بل نتائجَ محسوسة تعيد الثقة في جدوى التخطيط الترابي.