مجتمع

في مكناس، حتى الثقافة لا يريدون لها أن تزهر

 

عبد العالي عبد ربي

 

من قراءاتي خلال شهر يونيو، رواية شمس بحجم الكف لصاحبته عبير عزيم التي أنجزت هذا العمل وهي في سن الرابعة عشرة من عمرها. وهو ما اعتبره رواد مواقع التواصل الاجتماعي حدثا غير عاد. نوه به البعض، وحذر آخرون من مغبة وقوعها أسيرة اللقب الذي قد يلتصق بعبير “أصغر روائية عربية”. وبين هؤلاء وهؤلاء، تولدت لدي رغبة قوية في قراءة هذا العمل، لأسباب سافصل فيها بعد عرض رأيي فيه.

 

عندما قرأت الرواية، اكتشفت أن الفتاة تمتلك ثروة لغوية هامة، وأساليب متنوعة. تجيد الوصف، سواء تعلق الأمر بالشخوص، أو بالأمكنة. تجري حواراتها بالعربية الفصحى بشكل يبقى مقبولا. متمكنة من تقنيات السرد بشكل جعلها قادرة على تنويع السراد، والتنقل بسلاسة بين الأحداث، وكذا الجمع بين السرد والحوارات الداخلية، خاصة أثناء وصف مشاعر الإحساس بالضياع والتشتت التي سرعان ما تنقلب إلى تحد وإصرار على مواجهة المجهول والبحث عن حلول. أما على مستوى المتن الحكائي، فإن الرواية تقدم قصة فتاة آلمها ما حل بأمها التي وضعت مولودا ذكرا به عيب خلقي على مستوى القلب، مما جعلها تعيش في دوامة من الآلام والأفكار السوداء، إلى أن تمكنت من ربط الاتصال برئيسة جمعية تشتغل في مجال الإعاقة وتتمكن بذلك من تقديم خدمة لعائلتها تفتح أمامها آفاقا رحبة.

 

رغم أنني سجلت بعض الملاحظات على مستوى الحبكة، لا تنتقص من قيمة العمل، فإنني أرى الرواية عملا يستحق التنويه، وأنصح بقراءتها، خاصة إذا قارناها ببعض ما تنتجه كائنات من الكتبة بلغوا من العمر عتيا، يحيط بهم أتباع ومريدون يهللون بأسمائهم، ويكيلون لهم من المدائح والألقاب ما يعجز عن حمله الراسخون في فن الكتابة والإبداع، في المقابل تجد هؤلاء الكتبة غير قادرين على استيعاب بنية الجملة العربية، دون الوقوف عند الأخطاء الإملائية التي لا يخلو منها سطر. مثل هؤلاء تمتلئ بهم الساحة، ويُكرمون هنا وهناك، متعالمين متعالين، فخورون بما اتاهم الله من ذكاء وفطنة.. يعتقدون أن كتاباتهم ستشغل الناس، كلما أوغلوا في اللخبطة والتشويش واللصق، لا يعرفون شيئا اسمه السهل الممتنع.

 

لنعد الآن إلى الرواية وصاحبتها وظروف تعرفي عليها. عندما وجدت نفسي داخل نقاش حول لقب أصغر روائية أثاره البعض على موقع التوصل الاجتماعي الفايسبوك، لم تكن لدي اية معلومة عن الأمر. بادرت إلى البحث في الموضوع، فوجدت نفسي أمام سيل من المقالات والفيديوهات والتدوينات والحوارات مع فتاة من مدينة تاهلة اسمها عبير عزيم، تدرس بالمستوى الثاني إعدادي، تبلغ من العمر أربعة عشر عاما، أنجزت عملا سرديا من جنس الرواية اختارت له من العناوين “شمس بحجم الكف”

أثارني الأمر، وقر عزمي عن البحث عن هذه الرواية وقراءتها، أولا بسبب أني قارئ نهم، خاصة للروايات، ثانيا لأنه تولدت لدي رغبة في إطلاع بعض من تلامذتي الذين هم في مثل سنها على الرواية، أولئك الذين كانوا يسرون إلي برغبتهم في الكتابة، بل منهم من سلمني بعضا مما يكتب. وكنت دائما ما أوجه مثل هؤلاء إلى أمرين: الأمر الأول، القراءة والقراءة ثم القراءة، الأمر الثاني، أن لا يتخوفوا من الأخطاء ومن خذلان اللغة لهم. كنت أقول لهم، اكتب أولا، والأسلوب سيأتي بشكل تلقائي، والأخطاء لا أحد بمنجى عنها، يمكن وقتها تكليف القاديرين على القيام بالتدقيق اللغوي والمراجعة، وهو ما لا تقوم به لا وسائل الإعلام المليئة أخطاء نحاسب من أجلها تلامذتنا.

 

من جميل الصدف، أني تلقيت على الفايسبوك إشعارا بالمصادقة على نشر تدوينة على صفحة أشارك في إدارتها عن الرواية، هذا الإشعار لم يكن سوى تدوينة لناشر الرواية نقاسمتها بالمجموعة امرأة خمنت أن تكون والدة الكاتبة. بمجرد نشر هذه التدوينة، أرسلت للناشر أسأله: أين أعثر على هذا العمل بمكناس، طلب مني مهلة إلى غاية نهاية الشهر، وعندما عاودت الاتصال به، أجابني جوابا صادما، قال لي: سلام صديقي، رفضت المكتبات بمكناس للأسف استقبال الكتاب بدعوى التحضير للموسم الدراسي، ولكن أعدك أننا سننظم توقيعا للروائية عبير من أجل كل الذين طلبوا الكتاب، لكي لا يضيع حقهم في القراءة وذلك في القريب العاجل؟؟؟؟ . علما أن الناشر ذاته، نشر عقب ذلك قائمة بأسماء المكتبات بعدة مدن مغربية تتوفر بها الرواية، كما أن الرسالة وصلت قبل فترة الامتحانات، والفصول الدراسية لا تزال ملأى بالتلاميذ، والموسم الدراسي الموعود لم يهل هلاله بعد…. حقيقة.. في مكناس، حتى الثقافة لا يرديون لها أن تزهر.

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى