الرشيديةمنبر الجهة8

أيوب لحميدي يكتب… في مواجهة التاريخ

تشهد الساحة التعليمية توترا غير مسبوق، بفعل تسطير برامج نضالية من طرف تنظيمات فاعلة داخل الحقل التربوي والتعليمي، سواء كنقابات أو تنسيقيات أو جمعيات[…] لماذا؟
السبب يعود وبالدرجة الأولى إلى صدور نظام أساسي لموظفي قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي يعتبر في الحقيقة النقطة القشة التي قصمت ظهر البعير.

هذا النظام، الذي تم تسريبه عمدا قبل فرضه بهذه الطريقة الفجة من خلال عرضه للمصادقة البرلمانية، والإعلان عنه في الجريدة الرسمية في زمن قياسي، خلف ردود أفعال سلبية في الأوساط التعليمية كنظام تراجعي على مستوى الحقوق، لغياب معالجة حقيقية لكل الملفات المطلبية المطروحة أولا، ولأنه قفز على المقاربة التشاركية في صياغته ثانيا، حيث استفردت الوزارة الوصية بصياغة وطرح مقتضياته الأساسية دون إشراك ومصادقة النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية في الصيغة النهائية.

أمام هذا الوضع، تم إعلان الرفض القاطع من طرف الشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها، المزاولين منهم وحتى المتقاعدين في إطار تنسيق وطني وحدوي عبر عن هذا الرفض من خلال تجسيده لبرامج نضالية، بدأت من الخامس من شهر أكتوبر ولازالت متواصلة إلى حدود الساعة، الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام على هذا النظام الأساسي.

ويعود ذلك إلى مقتضياته الأساسية التي يتضح أنها ألغت ما يسمى بالوظيفة العمومية وتوحيد الجميع في إطار وظيفة جهوية، طبقًا لإملاءات المؤسسات المالية المانحة وتحت ذريعة تحديث الإدارة العمومية.

هنا يمكن الإشارة إلى أن ما سمي بتحديث الإدارة العمومية بدأ منذ سنة 1981 وصولا إلى تمظهره اليوم في شاكلة أنظمة أساسية، هدفها الأساسي التعبير وبقوة للدوائر المالية المانحة عبر وثائق رسمية ( ميثاق مرسوم مقرر …) على إلغاء صفة الموظف العمومي من جانب، والخدمة العمومية ذات الطابع المجاني من جانب آخر.

إن الشغيلة التعليمية اليوم وهي ترفض هذا النظام جملة وتفصيلا تجده انه قد أجهز من خلال ما يفهم من منطوق مقتضياته على العديد من المكتسبات، وتجاهل كثيرا من المطالب المحورية للعديد من الفئات، التي كانت تناضل من أجلها سنوات عدة.

ويبدو ذلك في إجهازه على ما كان ينظر اليه بالأمس القريب حقوقًا أساسية، و تغييبه في المقابل لحلول حقيقية لمطالب جميع الفئات يأتي في مقدمتها ملف المفروض عليهم التعاقد، ليظل بالتالي نمط التشغيل بالعقدة مفروضا وقائما وبدون حل يذكر.
وإذا ما تم ربط مقتضيات هذا النظام بتوصيات البنك الدولي في تقاريره الخاصة بالمغرب (خصوصا تقريره الأخير بعنوان: المغرب في أفق 2040) فإنه يمكن أن ندرك خلفية هذا النظام الجديد وماهيته تحت غطاء ما سمي عنوة تحديث الإدارة العمومية.

وهذا يقودنا إلى قضية محورية ترتبط بالسياسة العمومية وصناعة القرار السياسي في الدولة المغربية، هل فعلًا السياسات العمومية وكذا القرارات السياسة تأخذ من طرف فاعلين سياسيين وبشكل يلتزم بالشروط الديمقراطية حقا أم أن كل ما يمكن أن نعتبره يدخل في هذا الإطار يمكن أن نطلق عليه بشكل تعسفي شطحات لإملاءات خارجية مستوردة يتم إضفاء طابع الخصوصية عليها (تمغربيت) بالدارج العام عبر صياغة برامج علاوة على قوانين تنفيذية لهذه التوصيات لتسويغ توجه السياسة العمومية تحت وهم الإصلاح الذي يرفع غير ما مرة وفي كل مناسبة عبر الآلية الايدولوجية كدليل على صحة الاشتغال الحكومي واهتمامه بالتريية والتعليم !؟
كجواب على السؤال، بَيِّن وبصراحة أننا نفتقر إلى سيادة في هذا المستوى بفعل عوامل عديدة، يأتي على رأسها إرتفاع الدين الخارجي بشكل متصاعد، الأمر الذي يسهل فرض قرار سياسي وفرض رقابة مستمرين إلى حد يؤدي ليس فقط إلى تفكيك الوظيفة العمومية لا بل القضاء عليها وبصفة نهائية.

و اعتماد اللامركزية واللاتمركز الإداري كسياسة للتسيير والتدبير لآية دالة على أن القرار السياسي فعلا متحكم فيه وبشكل قوي جدًا، أفضى إلى محاولة تبرير هذا التوجه برفع شعار ديموقراطية القرب والعدالة المجالية والحكامة […] كشعارت تستثمر للتنويم الذكي الموجه.

ذات السياسة شملت قطاع التربية والتعليم منذ تأسيس الأكاديمية الجهوية سنة 2003 بغرض أجرأت هذه السياسة عبر تفويت السلطة والصلاحية شيئا فشيئا، لتسع إمكانية التوظيف الجهوي كإملاء مفروض و كتراجع صريح عن التوظيف العمومي نلاحظه اليوم يفيد وبشكل غير قابل للتأويل تنصل الدولة من واجبها في علاقتها مع المواطن (ة).

لذا فاحتجاج الجسم التعليمي اليوم احتجاج مشروع يأتي على خلفية تراكم سياسة المؤسسات المالية المانحة، وما هذا النظام الأساسي سوى منتوج نهائي لهذه السياسة الرامية إلى مزيد من التفقير والتهميش المعلنين بطرائق منمقة كالعادة.

وما هذه الوحدة التي يشهدها الجسم التعليمي سوى وقفة في التاريخ يبرز فيها وبضوح دوره الفاعل في مسرح التاريخ، القاضي برفض كل ما من شأنه أن يشكل خطرًا على الإنسان المغربي عبر ربوع هذا الوطن.

إنه دور ننظر إليه كواجب أخلاقي لمواجهة التاريخ وربما القدر المفروض قبل أن يكون واجبًا سياسيا مبني على وعي بمدى خطورة ذات السياسات، التي يتم تسويقها وتنفيذها بطريقة ناعمة.

و على هذا النحو، يتجه الجسم التعليمي بشكل متصاعد كصانع للعقل وللمواطن وللنهضة صوب الدفاع عن الحقوق المهضومة باستدعاء الواجب في مختلف تجلياته، ولا شيء يعلو على هذا الواجب كالتزام حر يروم الحفاظ على كرامة الإنسان المعلم والإطار.

مقالات ذات صلة

Back to top button

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى