محمد أزيرار يكتب .. الطفرة الرياضية بالمغرب وواقع التردي التعليمي
إذا كنت تظن أن التعليم مكلف فجرب الجهل(ديريك بوك)، تعد هذه المقولة ذات بعد حجاجي واحتجاجي على ما آل إليه الواقع التعليمي بالمغرب، فإذا كان أصحاب القرار يرون ثمن التعليم باهضا فضريبة الجهل أبهض وأغلى، إذ لا مناص أن الجهل سينتج أجيالا معطوبة مهيأة لتؤدي ولاء الطاعة والعبودية بدل التفكير والنقد، وإنتاج وجهة نظر لا تتماشى والشخصية المتوازنة التي ترمي المدرسة العمومية تهييئها.
إن واقع التعليم المتردي هذا، يقابله إشعاع وطفرة نوعية على مستوى الرياضة، باتت من خلالها المنتخبات والفرق الوطنية تحظى بباع كبير ووزن هام في السنوات الأخيرة، وهذا أمر واضح للعيان من خلال إنجاز المنتخب الأول في قطر، والذي أخرج المغاربة عن بكرة أبيهم للاحتفال بالشوارع دون خطوط حمراء ترسم للتجمهر في هذا الصدد شرط ألا يكون لأجل قضية التعليم والمطالب الاجتماعية، كما هيمنت الفرق الوطنية على الألقاب القارية، وأزاحت من طريقها أعتد الفرق وأعرقها، علاوة على إحراز كأس إفريقيا للاعبين المحليين مرتين متتاليتين…
إن هذا الوضع لم يأت من فراغ أو كان ضربة حظ، إنما رصدت له ميزانيات ضخمة بمليارات الدراهم وغدق فاحش، في مقابل بخل وشح كلما تعلق الأمر بقطاع ينبغي أن يكون أولى الأولويات، مما يجعلنا أمام آية من المنطق المشوه ” ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة”، يتصدقون على قطاع الرياضة بينما يئن التعليم تحت ذريعة الكلفة المالية والتحجج بالأعداد الكبيرة للموظفين، وهو ما يثير الاستغراب والتساؤل، لم الرياضة تحظى بكل هذا الاهتمام بينما يعرف التعليم سياسة التقشف وتقليص كتلة الأجور ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال لن تخرج عن دائرة انعدام الرغبة في إصلاح التعليم وجعله قاطرة القطاعات حتى يتسنى للقائمين على الشأن السياسي تطويع الشعب المغربي، وجعله يرزح تحت وطأة الجهل أو بنسبة أقل إنتاج “بروفايلات” من العمال مهيأة لأرباب المعامل والشركات قصد مراكمة الأموال كما هي عادة الآلة الإمبريالية، من خلال الزحف على مكتسبات المشتغلين داخل هذا الحقل المليء بالألغام والعبوات الناسفة، من زحف على الترقيات، تعاقد، ونظام أساسي خارج الوظيفة العمومية جاءت غمامته حبلى بعقوبات لم ترد حتى في قوانين السجون، ومؤسس لنظام السخرة، وصولا لكارثة الدعم التربوي بوصفه حقا أريد به باطل، حيث طلت علينا السياسة الحكيمة لهذا القطاع ببدعة الدعم التربوي بهدف كسر نضالات الأساتذة ضد النظام الأساسي الذي أتى به التقنوقراط المصبوغ بالأزرق شكيب بنموسى، ومن خلفه حكومة أخنوش، فعوض استئصال ورم هذا الداء من جذوره، يتم تكريس النظرة العدائية التي يتبناها تاريخيا أولو الشأن حول التعليم منذ بداية الألفية على الأقل، قصد خوصصة قطاع التعليم وعرضه للمزاد العلني، مما دفع رجال ونساء التعليم إلى خوض معارك ضارية لسحب هذا النظام الأساسي المستجد وإدماج الأساتذة المفروض عليهم التعاقد إدماجا حقيقيا في نظام الوظيفة العمومية بمناصب مالية قارة، بدل الهروب إلى الأمام وذر الرماد في العيون، بما يضمن التراجع عن تفكيك الوظيفة العمومية باعتبارها مكسبا تاريخيا للشعب المغربي، وأمام هذا الغلاء الفاحش يعد الحراك التعليمي قنبلة موقوتة قد تعصف بالبلد وتؤدي إلى انفلات اجتماعي.
نعتقد أن دمج وزارتي التربية الوطنية والرياضة إنما هو محاولة بائسة، ورقصة ديك مذبوح لتغطية الفشل الذريع الذي يعرفه القطاع التعليمي، وليس في الأمر غير ذلك من شأنه إقناع الشأن العام الوطني بالمغرب، ونؤكد أن الرياضة مجال بالغ الأهمية ولا ندعو بأي وجه من الوجوه إلى تهميشه، بقدر ما نبغي إعادة الاعتبار لقطاع التعليم، لأن هذا الأخير أساس كل مشروع مجتمعي ومحور الرحى الذي تسعى حوله الشعوب والأمم لإنقاذ نفسها من التبعية والانقياد، والإملاءات والرهن…
فما الذي أصاب السلطة السياسية بوجه عام والسلطة التربوية