مجتمعمنبر الجهة8

محمد أزيرار يكتب .. الطفرة الرياضية بالمغرب وواقع التردي التعليمي

كنت قد كتبت مقالا في وقت سابق تحت عنوان “الطفرة النقدية بالمغرب والتردي السياسي” حاولت فيه تسويغ هذا الدياليكتيك الحاصل بين صحوة النقد المغربي والتردي السياسي، وتقديم تفسير للإشعاع النقدي الذي يعرفه المغرب في العقود الأخيرة خصوصا، في ظل خفوت وضمور نقود عربية شكلت إلى الوقت القريب نبراسا وذا قصب سبق كمصر مثلا، في مقابل ترد سياسي واضح للعيان أتينا على ذكر “البلوكاج الحكومي” وما تلاه من سلاسل الفشل، في هذا الإطار نعتقد أن هناك إشكالية يمكن أن تصاغ على شكل تناص، أو تصاد، أو وقوع الحافر على الحافر بتعبير خورخي لويس بورخيس للمقال الأول، ويكون على الشكل التالي “الطفرة الرياضية بالمغرب وواقع التردي التعليمي”.إذا كان النقد تربطه علاقة وطيدة بالسياسة، من باب أن السياسة وجه من وجوه ممارسة النقد، فإن الرياضة لا تبتعد عن التعليم باعتبارهما محورا النقاش في هذا الصدد، ذلك أن المدرسة واحدة من الأوعية والأسس التي ينبني عليها التكوين الرياضي في إطار البطولات المدرسية التي تأتي على تربية الناشئة على قيم تستمد من داخل الفصول، إنها ذلك المرتع الفسيح والأرض الخصبة لصقل مواهب الأطفال وتقويمها لتصير ذات بعد نتاجي يفضي إلى تحقيق الأهداف المنتظرة، وتزويد الأجهزة بالطاقات التي من شأنها حمل القميص الوطني ورفع الراية الوطنية عاليا في المحافل الدولية، بيد أننا نلاحظ تراجعا لدور المدرسة في هذا الإطار، هذا التراجع يستتبع عددا من المسوغات أبرزها تراجع مستوى التعليم بالمغرب، ولعل الإحصائيات التي يقدمها الاتحاد الدولي فيما يخص التنمية البشرية والتعليم لدليل قاطع على ذلك، حيث أريد للتعليم المغربي أن يظل حبيس أزمات مصطنعة قصد إنتاج “براديغم” معين من المتعلمين، إذ بات المغرب يحتل المرتبة 101 من حيث جودة التعليم، متذيلا الترتيب خلف دول تعاني ويلات الحروب كفلسطين وسوريا، وأخرى كانت إلى وقت قريب محط سخرية ونكت بفعل أزمات المجاعة والفقر كإثيوبيا والصومال… وهو ما يعكس مدى النكوص والارتكاس، والفساد السياسي والأخلاقي للقائمين على القطاع ومن يديرون عجلة التنمية في البلد.

إذا كنت تظن أن التعليم مكلف فجرب الجهل(ديريك بوك)، تعد هذه المقولة ذات بعد حجاجي واحتجاجي على ما آل إليه الواقع التعليمي بالمغرب، فإذا كان أصحاب القرار يرون ثمن التعليم باهضا فضريبة الجهل أبهض وأغلى، إذ لا مناص أن الجهل سينتج أجيالا معطوبة مهيأة لتؤدي ولاء الطاعة والعبودية بدل التفكير والنقد، وإنتاج وجهة نظر لا تتماشى والشخصية المتوازنة التي ترمي المدرسة العمومية تهييئها.

إن واقع التعليم المتردي هذا، يقابله إشعاع وطفرة نوعية على مستوى الرياضة، باتت من خلالها المنتخبات والفرق الوطنية تحظى بباع كبير ووزن هام في السنوات الأخيرة، وهذا أمر واضح للعيان من خلال إنجاز المنتخب الأول في قطر، والذي أخرج المغاربة عن بكرة أبيهم للاحتفال بالشوارع دون خطوط حمراء ترسم للتجمهر في هذا الصدد شرط ألا يكون لأجل قضية التعليم والمطالب الاجتماعية، كما هيمنت الفرق الوطنية على الألقاب القارية، وأزاحت من طريقها أعتد الفرق وأعرقها، علاوة على إحراز كأس إفريقيا للاعبين المحليين مرتين متتاليتين…
إن هذا الوضع لم يأت من فراغ أو كان ضربة حظ، إنما رصدت له ميزانيات ضخمة بمليارات الدراهم وغدق فاحش، في مقابل بخل وشح كلما تعلق الأمر بقطاع ينبغي أن يكون أولى الأولويات، مما يجعلنا أمام آية من المنطق المشوه ” ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصة”، يتصدقون على قطاع الرياضة بينما يئن التعليم تحت ذريعة الكلفة المالية والتحجج بالأعداد الكبيرة للموظفين، وهو ما يثير الاستغراب والتساؤل، لم الرياضة تحظى بكل هذا الاهتمام بينما يعرف التعليم سياسة التقشف وتقليص كتلة الأجور ؟

إن الإجابة عن هذا السؤال لن تخرج عن دائرة انعدام الرغبة في إصلاح التعليم وجعله قاطرة القطاعات حتى يتسنى للقائمين على الشأن السياسي تطويع الشعب المغربي، وجعله يرزح تحت وطأة الجهل أو بنسبة أقل إنتاج “بروفايلات” من العمال مهيأة لأرباب المعامل والشركات قصد مراكمة الأموال كما هي عادة الآلة الإمبريالية، من خلال الزحف على مكتسبات المشتغلين داخل هذا الحقل المليء بالألغام والعبوات الناسفة، من زحف على الترقيات، تعاقد، ونظام أساسي خارج الوظيفة العمومية جاءت غمامته حبلى بعقوبات لم ترد حتى في قوانين السجون، ومؤسس لنظام السخرة، وصولا لكارثة الدعم التربوي بوصفه حقا أريد به باطل، حيث طلت علينا السياسة الحكيمة لهذا القطاع ببدعة الدعم التربوي بهدف كسر نضالات الأساتذة ضد النظام الأساسي الذي أتى به التقنوقراط المصبوغ بالأزرق شكيب بنموسى، ومن خلفه حكومة أخنوش، فعوض استئصال ورم هذا الداء من جذوره، يتم تكريس النظرة العدائية التي يتبناها تاريخيا أولو الشأن حول التعليم منذ بداية الألفية على الأقل، قصد خوصصة قطاع التعليم وعرضه للمزاد العلني، مما دفع رجال ونساء التعليم إلى خوض معارك ضارية لسحب هذا النظام الأساسي المستجد وإدماج الأساتذة المفروض عليهم التعاقد إدماجا حقيقيا في نظام الوظيفة العمومية بمناصب مالية قارة، بدل الهروب إلى الأمام وذر الرماد في العيون، بما يضمن التراجع عن تفكيك الوظيفة العمومية باعتبارها مكسبا تاريخيا للشعب المغربي، وأمام هذا الغلاء الفاحش يعد الحراك التعليمي قنبلة موقوتة قد تعصف بالبلد وتؤدي إلى انفلات اجتماعي.

نعتقد أن دمج وزارتي التربية الوطنية والرياضة إنما هو محاولة بائسة، ورقصة ديك مذبوح لتغطية الفشل الذريع الذي يعرفه القطاع التعليمي، وليس في الأمر غير ذلك من شأنه إقناع الشأن العام الوطني بالمغرب، ونؤكد أن الرياضة مجال بالغ الأهمية ولا ندعو بأي وجه من الوجوه إلى تهميشه، بقدر ما نبغي إعادة الاعتبار لقطاع التعليم، لأن هذا الأخير أساس كل مشروع مجتمعي ومحور الرحى الذي تسعى حوله الشعوب والأمم لإنقاذ نفسها من التبعية والانقياد، والإملاءات والرهن…
فما الذي أصاب السلطة السياسية بوجه عام والسلطة التربوية

على وجه التخصيص بهذا البلد ؟ وإلى أي حد سيظل قطاع التعليم فأر تجارب نضعه رهن مختبرات لا تمت للتربة الأصيلة للواقع التعليمي بالمغرب بأية علاقة ؟

 

 

 

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى