مجتمعمنبر الجهة8

المختار العيرج يكتب .. الفاضل حسن أوريد الموجود يخاطب الفاضل الجزائري المفقود

 

المختار العيرج

وجه الأستاذ حسن أوريد رسالة إلى من نعتهم ب ” الفضلاء الجزائريين ” استهلها بتساؤله ” لا أدري ما قد يكون لصوت خفيت من صدى، أمام جلبة الصراخ و الصياح، هنا و هناك، لجيل لا يرى و لا يسمع إلا ما يحمله الصخب و الغضب ” ليستدرك ” و رغم ذلك فقلما نجد شعبين في العالم يجمعهما ما يجمع الشعبين المغربي و الجزائري ” . ( 1)

و يجرد الأستاذ أوريد عدة أمثلة تدل على التلاحم بين المغاربة و الجزائريين، من قبيل الاحساس لما يلتقي أحدهما بالآخر في الخارج و ما يختلج النفس في الكوارث الطبيعية و الهزات الاجتماعية و انتقى منها الزلزال و الحريق و ملحمة حرب التحرير و العشرية السوداء … حيث يسود التعاطف و تتعدد صور المواساة و الدعم المادي و المعنوي رغم ما يموج من مشاعر مختلفة و مثبطة سعى حسن أوريد للقفز عليها و تخطيها لما صدح قائلا : ” دعنا من السياسة و السياسيين ” . ( 2 )

و في هذه المقالة القصيرة التي نشرت بمنبر ” زمان ” يحرر أوريد الجزائريين من كل التزام أخوي تجاه الوحدة الترابية للمغرب لما يتسامح مع كل ” من شاء ألا يشاطرنا تصورنا عن ذاتنا و تاريخنا، نريده أن يبذل الجهد في فهم موقفنا، و أن يقف وقفة موضوعية في استكمال وحدتنا الترابية عبر مراحل … و إن لم يستطع، فلنجعل الخلاف بين عارضتين و هو أضعف الإيمان ” .( 3)

و يعتقد أوريد أن لا أحد في المغرب يدعو إلى ” المغرب التاريخي ” و حجته في ذلك هي ألا شيء بدر على المستوى الرسمي، و لم يتحلل المغرب من التزاماته .

و الالتزامات التي يقصدها الأستاذ أوريد هي الاتفاقية المبرمة بين البلدين و الموقعة في15 يونيو 1972 و المعروفة باتفاقية ايفران، حتى و إن أظهر تنفيذها الطبوغرافي الكثير من العيوب و العواقب الاجتماعية و الانسانية، و يتجلى شيء من ذلك في موقفه من قضية العرجة، فعلى الرغم من أن أوريد يعتبر أن ” المشكل المطروح ليس ذا طابع قانوني، إذ الموضوع أعقد من ذلك، أو أبسط، حسب الزاوية التي ينظر منها، فالمكان هو امتداد لما يعرف بأراضي الجموع ( الملكية الجماعية ) لقصر ( قرية) أولاد سليمان و هو من جملة القصور المكونة لواحة فكيك، قبل وضع الحدود، و مرد التعقيد أنه مع وضع الحدود انفصل القصر الذي يوجد في التراب الوطني عن مجال انتفاعه الذي يوجد على التراب الجزائري، و كان للمشكل أن يكون بسيطا لو أن الحدود لم تنتقل من الخرائط لتؤثر سلبا في نظام عيش جماعة كانت هناك قبل وضع الحدود “(4) و يضيف أوريد بالحرف ” لا أحد يجادل في سيادة الجزائر على تلك الرقعة، المعاهدة ملزمة للمغرب، و لم يجادل فيها، و لم يعتبر أنها موضع نزاع “.( 5)
و السؤال الذي يطرح أين هم الفضلاء الجزائريون الذين يخاطبهم حسن أوريد، و في أي موقع، ففي الطبقة الحاكمة و في العسكر لا وجود للفضلاء، و هم من يصنع القرار، أما الشعب فهو مغلوب على أمره و فضلاؤه مهما كان عددهم قليلا أو كثيرا فلا حيلة و لا قوة لهم .

دعا أوريد إلى ” وضع الخلاف بين عارضتين ” و تذويبه في اطار المغرب العربي، و هي فكرة كان في سنة 1989 يعتقد أنها كفيلة بتعطيل الحضور القوي للمختلف لصالح المؤتلف، لكن الأيام بددت هذه الأوهام التي دفنت مع بوضياف و ما أعلن عنه اغتياله من نهاية التفاهمات و الحوار مع طغمة حاكمة و ماكرة و حاقدة و لا يرجى منها خير لشعبها و لا لجيرانها .
و على الرغم من أن أوريد في كل مقالاته و تدخلاته التي تتطرق للتوتر و الصراع و الخلاف بين المغرب و الجزائر، يسوق كثيرا لاتفاقية ايفران و يعتبرها مرجعا لا رجعة فيه في الحدود المغربية الجزائرية رغم ما لحق المملكة فيها من حيف لم يشف غليل الجزائر، و لا هو غض بصرها عن المطالبة بالمزيد من التراب المغربي، و الوقوف بالمرصاد أمام استكماله لوحدته الترابية.. لم يتساءل يوما و لا هو سأل نفسه عن ظروف ابرامها و الحيثيات التي أحاطت بالموضوع و دواعي تلكؤ الملك الحسن الثاني رحمه الله في نشرها بالجريدة الرسمية لمدة تصل إلى عسرين سنة بعد التوقيع، و لم يفعل ذلك سوى في عهد بوضياف الذي كان موقفه واضحا و داعما لمغربية الصحراء و كان الوطني الجزائري الوحيد الذي لم ينكر الجميل .

كلما ارتسم بين عيني أو تناهى إلى مسامعي اسم حسن أوريد، تتوارد في ذهني عبارة من انشائه، من كثرة ما رددتها حفظتها عن ظهر قلب، يقول فيها : ” في رصد تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية بعد الاستقلال، لم تكن القضايا المرتبطة بالحدود تطرح بين البلدين إلا غطاء للخلافات السياسية، لم تكن هي المشكل، بل ذريعة للتعبير عن خلافات سياسية، معلنة أو مضمرة ” .

و لنبدأ بآخر خلاف بين البلدين و كان حول العرجة، و فيها يمكن أن نساير أوريد و يمكننا أن نمرر، أن مصادرة هذه الأرض بعد زهاء 50 سنة من توقيع اتفاقية الأخوة و حسن الجوار ( اتفاقية ايفران)، امكانية أن تكون بدافع خلاف سياسي و ليس حدوديا، لكن هل كانت حرب الرمال ذريعة للتعبير عن خلافات سياسية و لم تكن بسبب تراب التزمت الحكومة المؤقتة الجزائرية في اتفاق الرباط سنة 1961 بالتفاوض في شأنه بعد الاستقلال ؟ إذا صدقنا ما استخلصه الأستاذ أوريد فالخلافات اشتدت و اتسعت و توترت أكثر بعد استرجاع المغرب لصحرائه و لم تندلع حرب مباشرة بين البلدين بسبب الخلافات السياسية، بل اشتعل فتيلها و بالوكالة، و في قضية ترابية و حدودية، و غطت الحدود على السياسة و أبدى كل طرف قبوله بالتنازلات السياسية إذا قبل بتنازلات ترابية ؟ فلم تنفع السياسة في القضية الترابية .

ثم هل قضية الحدود المغربية الجزائرية هي وليدة فترة الاستقلال أم أنها مشكلة استعمارية مفتعلة منذ اتفاقية للا مغنية و اتفاقيات باريس لعام 1901 و ما ترتب عليها في مجملها و في بندها الخامس بالأساس من مشكل حدودي يمتزج فيه الحدودي بما هو انساني و حقوقي، و هذا البند الذي سأعيد نشره في هذا المقال لم يثر انتباه الأستاذ حسن أوريد و الدارسين المغاربة، في هذه المادة التي وقعت عليها فرنسا و الإيالة الشريفة تعطي للمنطقة التي لم تحدد الحدود فيها وضعا استثنائيا و تمنح لسكانها حالة غريبة و شاذة في القانون الدولي، فالطرفان المتفاوضان اتفقا على منح سكان ولاية بشار و غيرها حرية اختيار الجنسية / السلطة التي يرغبون في البقاء تحت نفوذها و من اختار منهم المغرب سيبقى على هذا التراب الذي كان أنذاك تحت النفوذ الفرنسي، محتفظا بمغربيته الكاملة، و استثنت المادة الخامسة من كل هؤلاء السكان، أهل ذوي منيع و أولاد جرير فمن اختار منهم الجنسية المغربية يجب أن يرحل إلى مكان تعينه لهم السلطات المغربية، و أبقت على حقه في الحفاظ على ممتلكاته أو تكليف من يدير شؤونها، فانضافت أعباء انسانية و حقوقية، فإلى جانب ما حدث بالعرجة هناك قضايا أخرى مطروحة تولدت عقب تنفيذ اتفاقية ايفران لتطفو على السطح قضايا لم تكن في الحسبان، و هي انسانية و اجتماعية غير قابلة للتوظيف السياسي وعلى الأخص من قبل مسؤولي الدولتين .

الهوامش :
٨( 1 ) : حسن أوريد ” رسالة إلى الفضلاء الجزائريين ” – زمان 6 مايو 2024 .
( 2 ) : نفس المرجع
( 3) : نفسه
( 4) حسن أوريد ” فصل جديد
من التوتر المغربي الجزائري ” – القدس العربي 23 مارس 2021 .
(5) و ( 6): نفسه
7)) : المادة الخامسة من اتفاقيات باريس كما وردت في كتاب ” أربعة قرون من التاريخ المغربي ” لمؤلفة A.G.P Martin نسخة الكترونية .

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى