
يعيش عدد كبير من سكان مدينة الرشيدية، وتحديدًا بحي تلات تاركة الجديدة، وضعًا متأزمًا جراء تعثر مسارهم في الحصول على رخص البناء، في مشهد يصفه متضررون بأنه “سريالي” وغير مبرر، خاصة في ظل توفر الشبكات الأساسية من ماء وكهرباء وصرف صحي، وتوفر الشروط التقنية التي تجعل البناء ممكنًا من الناحية الواقعية.
ورغم اقتناء هؤلاء المواطنين لبقع أرضية منذ سنوات بهدف بناء مساكن تؤويهم وعائلاتهم، إلا أن مساعيهم اصطدمت بعقبات إدارية أبرزها تصنيف المنطقة ضمن ما يُعرف بـ”منطقة بحاجة إلى إعادة هيكلة” (zone à restructurer)، وذلك رغم أنها مصنفة كمنطقة قابلة للبناء ضمن وثيقة “تصميم التهيئة” الذي دخل حيز التنفيذ في 9 شتنبر 2019، دون أن يُستكمل أو يُحسم فيه إلى حدود اليوم.
ويؤكد المتضررون أن هذا المنع من الحصول على رخص البناء أجهض مشاريعهم العائلية، ووضعهم في مأزق قانوني وإداري حرمهم من حق دستوري أصيل في السكن، رغم استيفائهم جميع الشروط القانونية، ومباشرتهم مختلف المراسلات الرسمية مع السلطات المحلية والمنتخبة والوكالة الحضرية، دون التوصل بأي ردود حاسمة أو قرارات واضحة إلى اليوم.
مراسلات واجتماعات بلا جدوى
يشير المتضررون إلى أنهم وجهوا مراسلات متعددة إلى والي جهة درعة تافيلالت، السابق والحالي، عبّروا فيها عن مطالبهم بضرورة الحسم في هذا الملف الذي طال أمده، غير أن تلك المراسلات والاجتماعات، حسب تعبيرهم، لم تترجم إلى إجراءات ملموسة، وبقيت الملفات تراوح مكانها، ما زاد من شعورهم بالغبن والإقصاء.
الوكالة الحضرية في قفص الاتهام
وفي قلب هذا الملف المعقد، توجه أصابع الاتهام إلى الوكالة الحضرية للرشيدية–ميدلت، التي يعتبرها المتضررون مسؤولة عن اتخاذ قرارات غير منصفة، تفتقر للتوازن المطلوب بين المصلحة العامة والحق الفردي في التملك والاستغلال المشروع للعقار.
ويستند المواطنون في احتجاجهم إلى الظهير المحدث للوكالات الحضرية رقم 1.93.51 الصادر بتاريخ 22 ربيع الأول 1414 (15 شتنبر 1993)، والذي ينص على ضرورة تحقيق التوازن في التخطيط الحضري، بما يراعي مصالح المواطنين ويحمي حقوقهم الأساسية.
ويرى المتضررون أن هناك “منعًا غير معلن من البناء” يسري على منطقتهم، في الوقت الذي يطالبون فيه فقط بـ”حق بسيط” يتمثل في استغلال أراضيهم الخاصة، دون المطالبة بأي دعم مادي أو إعفاءات ضريبية، بل فقط بالحصول على رخص البناء. ويشيرون إلى أن بعض الأشخاص حصلوا على هذه الرخص في ظروف “غامضة”، بينما تم حرمان آخرين دون مبرر واضح.
صرخة مواطنين.. وسؤال العدالة المجالية
في ظل هذا الوضع، يُطرح سؤال جوهري حول العدالة المجالية في التعمير، وفعالية التدبير العمراني المحلي، خاصة وأن “الحق في السكن” يُعد من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور المغربي، والتي لا يمكن تعطيلها أو تقييدها إلا بمقتضى قانوني صريح، يضمن التوازن بين مساهمة المواطنين في التكاليف العامة ومبدأ المساواة في تحملها.
وفي انتظار الحسم النهائي في وثيقة تصميم التهيئة، يأمل المتضررون أن يُعاد النظر في هذا الملف من زاوية إنسانية وتنموية وقانونية، تضمن حقهم في السكن، وتضع حدًا لحالة “البلوكاج” التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات، والتي لم تُنتج سوى مزيد من التذمر والشعور باللاعدالة في تدبير الشأن المحلي.