
في قلب مدينة الريصاني، تفجّر جدل واسع عقب الشروع في تنفيذ مشروع لحماية وتثمين هذا الموقع الأثري. المشروع، الذي وصلت كلفته إلى 12 مليار سنتيم، يهدف إلى تسقيف الموقع عبر هيكل معدني ، غير أن شكله ومضمونه أثارا موجة من الانتقادات في أوساط فاعلين ومهتمين بالتراث.
وقد نُصبت لوحة تعريفية بالمشروع عند مدخل المدينة، لتعلن عن انطلاق أشغال تصميم يوصف بأنه “قصديري” وبعيد تمامًا عن روح سجلماسة وهويتها المعمارية والحضارية.
تفاصيل الاتفاقية والشركاء الممولين
و حسب مصادر إعلامية يأتي هذا المشروع في إطار اتفاقية شراكة جمعت وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الثقافة)، وجهة درعة تافيلالت، والمجلس الجماعي للريصاني، و سيمتد هذا المشروع على مساحة تناهز 7.800 متر مربع، وسيُنجز خلال فترة زمنية تقارب 16 شهراً، موزعة على ست مراحل، حيث رُصد له غلاف مالي إجمالي يقدّر بـ200 مليون درهم، وهو مبلغ يتجاوز الكلفة الخاصة بالتسقيف.
مقاربة تقنية لحفظ الموقع
و يرتكز المشروع على مقاربة تقنية حديثة تعتمد توثيق المعالم الأثرية باستعمال تقنيات المسح ثلاثي الأبعاد، مما سيساهم في حفظ المعطيات بدقة وتعزيز فرص البحث العلمي. كما سيتم إنشاء قاعدة بيانات رقمية خاصة بالموقع، إلى جانب مرافق موجهة للباحثين والطلبة.
ويتضمن المشروع كذلك أشغال ترميم تراعي الطابع المعماري للموقع، إلى جانب تأهيل البنية التحتية عبر إقامة فضاءات استقبال موجهة للزوار.
المعهد الوطني يتولى التتبع
و نقلت مصادر اعلامية اخرى ان المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، سيتولى، بتنسيق مع مديرية التراث الثقافي، تتبع تنفيذ الأشغال التقنية والعلمية. غير أن فعاليات مدنية محلية شددت على ضرورة إشراك أهل المنطقة وأصحاب الاختصاص في كل مراحل المشروع.
الانتقادات تتصاعد: السقف لا يعكس هوية سجلماسة
و حسب نفس المصادر فان الفعاليات المحلية المعنية بالتراث اعتبرت أن مشروع تسقيف موقع سجلماسة لا يعكس تراث المدينة العريق، مشيرة إلى أن التصميم يشبه الكثبان الرملية ومتحفًا للطبيعة الصحراوية أكثر من كونه معلمًا حضاريًا يعكس واحة سجلماسة. متسائلة حول “كيفية تجسيد المجد الحضاري بسقف قصديري وجنبات خالية من النخيل والماء والحياة”.
إغفال ترميم الأسوار والبوابات التاريخية
وأضافت ذات الفعاليات أن المشروع أغفل ترميم الأسوار والأبراج التاريخية، مما يضعف هوية الموقع ويحوله إلى “متحف رمال مفتوح” يطمس صورته الحضارية. مؤكدة أن صرف 12 مليار سنتيم على السقف دون تأهيل المعالم الأثرية يعد تبذيرًا وفرصة ضائعة، مشددة على أن سجلماسة تستحق مشروعًا يليق بتاريخها ومكانتها.
خبير آثار ينتقد المشروع ويدعو لإعادة التوجيه
و في تصريح للجريدة الإلكترونية “الجهة 8″، أكد عالم الآثار المغربي، يوسف بوكبوط، أن الميزانية المخصصة لمشروع تسقيف موقع سجلماسة الأثري، والتي تبلغ 12 مليار سنتيم، لا تعكس أي جدوى فعلية.
وتساءل المتحدث نفسه، عن الجهة التي أصدرت القرار بهذه الطريقة للحفاظ على الموقع، مشيرًا إلى أن المشروع لم يتم فيه استشارة أهل الاختصاص، من علماء الآثار والمهندسين المعماريين المتخصصين في صيانة وترميم المواقع الأثرية التي تضم بنايات وآثارًا عمرانية ظاهرة فوق سطح الأرض.
وأضاف بوكبوط أن سجلماسة كانت عاصمة تجارية عالمية مرموقة، تحج إليها القوافل التجارية من مختلف المدن، وأن تسقيف الموقع بهذا الشكل لا يليق بمكانتها التاريخية، بل يشوه هويتها الحضارية، مما قد يترك أثرًا سلبيًا على مكونات الموقع العمرانية.
واقترح عالم الآثار، توجيه هذه الميزانية نحو ترميم الأسوار والبوابات المهددة بالانهيار، فضلاً عن تمويل أبحاث علمية متعددة لاستكشاف خبايا الموقع، وتثمين مكوناته وحمايته.