حمزة سَفو يكتب: ماذا لأبناء درعة تافيلالت دون الوظيفة العمومية؟

من الأمور التي تجعلنا نقطع الشك باليقين، ونؤكد عن عجز القاطرة التنموية بجهة درعة تافيلالت غياب المشاريع والإستثمارات الكُبرى التي من شأنها أن تخفض نسبة البطالة بالجهة وتمنع أبناءها من مغادرة أرضهم الأم بحثا عن لقمة العيش في الشمال أو الغرب أو الجنوب، وكذا عدم التوافق القائم بين التكوينات التي تُقدم في المعاهد والكليات –على قلتها- وبين البنية التوظيفية التي تحكم الواقع المعاش بالجهة المُفقَّرة، كل ذلك يرسم في خلد أبناء درعة تافيلالت أملا في “الوظائف العمومية” إذ تعد هذه الأخيرة بالنسبة للطبقة التي تمكنت من الدراسة والحصول على شواهد كباقي أبناء الوطن الجريح، منفذا ومآلا تنعدم قبله وبعده المنافذ والمآلات إلا إذا أحن القدر وألطف، وعند بلوغ المراد ينتهي زمن الرجاء ليبدأ زمنٌ عنوانه العريض “العمل بكل تفانٍ إلى آخر الرمق”، أما إذا كان الأمر على عكسه، فلا مفر لشباب الجهة سوى الهجرة صوب أماكن مكتظة، النهزة فيها كإبرة وسط كومة قش، إما أن توجد الإبرة أو يُحرق القش كليا، هكذا تموت الأماني وتُسد أبواب الرجاء، ليُخلق لنا فردٌ عاطلٌ عايش العوز، وأُرغِم على أن يستمر في معايشته، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هَهنا، ماذا لأبناء درعة تافيلالت دون الوظيفة العمومية؟
مباريات وزارة الداخلية علمت أبناءنا أن القدرة الجسمانية التي فُطروا عليها وسيلة أساس لتجاوز محنة العوز وإنقاذ الأسرة من الإعدام، وعيش حياة الرفاهية –بين العطلة وأختها-، ومباريات وزارة العدل علمت أبناءنا أن العدل لا يُحقق مجاناً، فوجب علينا النقاش المطول مع –طلبة شعبة القانون بالرشيدية- إذا أردنا الإستدلال، أما وظائف وزارة التربية والتعليم، فقد أطفأت شرارة الأمل التي كانت تحيى بدواخل معظم الموجزين المغاربة كافة وأبناء تافيلالت على وجه التحديد، وما دام الستار عادماً للرؤية فلن تتضح الرؤيا، فبين البصر والبصيرة ما ليس بين السماء والأرض.
“واش كاين غا التعليم؟” عبارة شاعت بين أوساط الطلبة والموجزين، محاولين إخفاء ما كان أعظماً، ومعبرين من خلالها عن سخطهم المبرر اتجاه قرار الوزارة المعنية الذي قتل ما قتل وأمات ما بُعِث، فلا حرج إن طرحنا في هذا المقام كذلك نفس السؤال “واش كاين غا التعليم؟”، فالإجابة عنه ليست حلا قطعيا للأزمة التي سيشهدها هذا الوسط الطلابي المتين، وعلى سبيل التفاؤل أقول “حقا لا يوجد التعليم فحسب أمام شبابنا” لكنهم على قدر كافٍ من الوعي ليُخبروا عن أنفسهم ويعبروا عن سخطهم اتجاه قرارات تضرب في عمق -المكتسبات التاريخية- بلغة المناضلين الشباب، وفي مقابل ذلك يبدو أن الوقوف أمام الوتن من أجل التبرك، والبكاء على أطلال غادرتها الرأفة، لن يزيدَا الطينة إلا بلة، لذا وجب توسيع أفق التفكير والخروج من الدائرة الضيقة التي تحكم معظم العقول، الظلم من جهة والتفاؤل في مستقبل زاهر قوامه الحقوق التي أصبحت أمانياً من جهة ثانية، هذه تشكيلة الواقع الحالي لأبناء المغرب كافة، فكيف الحال عند أولئك الذين أصابهم القنوط التام في جنوبه الشرقي؟ في تلك الأرض المعطاة التي جعلت أبناءها يعقونها حسرة على مضارع مؤلم، ويغادرونها طوعا دون أدنى اختلاس للنظر حول ما إذا كانت “الفرصة ممكنة”.
لقد حان الوقت لتُفتَح الأعين وتُبصر ما حولها، وتنطلق جاهدة لاسترجاع ما لم يَكُن لها في الأصل، حان الوقت لنخبر الجميع أن لنا إمكانيات تجعلنا لا نقف مكتوفي الأيدي ننتظر رأفة “الوظيفة العمومية”، حان الوقت لنستثمر من لا شيء، إلى أن نبلغ الشيء الذي كنا نظنه مستحيلا، حان الوقت لنبتعد كليا عن الجمود و “ناس تافيلالت نية”.
نحن لا نخنع لقوانين مجحفة بقدر ما نناضل بالكلمة والفعل السلميين، ونخبر بأننا خُلقنا لنختار لا لنحتار ولم نُخلَق لنعود خلفاً إذا صُفدت الأبواب، حقا ليس لأبناء درعة تافيلالت “الوظيفة العمومية” فحسب، بل هي حقا لنا لكنها ستظل اختيارا ثانياً إذا كُنا حقا مُبدعين، مبتكرين، صبورين، طموحين كما ندَّعي..