حمزة سَفو يكتُب: سياسة تنميط العقول-أفيون الشعوب المستضعفة
إن الإيهام بالنتيجة سبب مباشر لجعل الشعوب المستضعفة لا تقوى على مبارحة فراشها الدافئ، تستهلك بشراهة دون أن تُعير أدنى اهتمام ما يُكولَس أمامها من مسرحيات لا تنتهي، وما تظنه نتيجة وتثور عليه لدقائق أو ربما أياما معدودات، لَن يُفصح لها عن الحقيقة الأزلية، بقدر ما سيمنحها جُرعة “هيستيريا مؤقتة”، فماذا تنتظر من شعب يَرفض “مسلسلا رمضانيا” بحجة أنه يُفسد الأخلاق ويُرسخ قيما خبيثة في النفوس، إن هذا لن يُثمن ولن يُغني من جوع، لأنه ببساطة ليس النتيجة الكاملة، بل هو إيهام بها فحسب، ولكي يكون الأمر أكثر موضوعية، ويسهل الفهم لدى عامة الناس، دعوني أخبركم بأن لوم النتائج لا يُعد ثورة، بل اللوم الواجب، هو ما يُجسد فينا كأفراد داخل هذا المجتمع، وذلك بتجردنا من ثوب النفاق الإجتماعي، بحيث ننظر للقضايا التي تمر أمامنا بمنظار العلمية، لا بمنظار الذاتية التي تُؤرق النفس، وتجعلها تعيش تحت وطأة التخدير.
مخاطبة العواطف، لم تعد وسيلة في عصر ما بعد الحداثة، فقد اكتست ثوب السلفية والرجعية، لأن الإنسان أصبح أكثر تحررا من ذي قبل، لذا فالبرامج والمسلسلات والموسيقى وكل ما من شأنه تحقيق التواصل غير المباشر مع الشعب، يُجسد قيما تُرسَّخ في العقل بدل العاطفة، هذا لا يعني نكرانها نكرا تاما، وإنما تحولت من غاية إلى وسيلة، حيث أصبحت جسرا تمر عبره الأنساق المُنتَجة، لتستقر في ذهن العامة قبل أن تُجسد في سلوكياتهم اليومية.
فالأمر واضح وضوح الشمس، حيث أن التخدير يتم بسلالة عبر مراحل عدة، أُولاهما إنتاج الوسائل التي ستمر عبرها الأنساق المُضمرة، ثانيهما إستهلاك المُتلقي لها، ثالثهما عُبور الأنساق لتستقر في ذهنه، ورابعهما تَجسدها في سلوكياته، التي ستكبر يوما بعد يوم لتُصبح بمثابة ظواهر إجتماعية لا تُؤذي مُنتج الأنساق، بقدر ما تُدمر المُستهلك المُهلَك المُخدَّر، وترسخ في عقله وشخصيته قناعات وقيم تدعم هيمنة القوى الخفية، وتُنمط الحياة الإجتماعية كي تسير على النهج الذي يُناسبها، إننا حقا لسنا في عصر القوة البدنية والعسكرية وما إلى ذلك، وإنما نحن في عصر الهيمنة المعنوية، التي من شأنها أن تجعلك تقبل بالمهانة وأنت تبتسم..