نعيش مرحلة مقلوبة بكل المقاييس، وانقلابا تاما في سلم القيم، إنقلاب يجد مظاهره في العديد من المسلكيات الاجتماعية والسياسية، بل وفي تقلبات اليومي، انقلاب يخترق كل مستويات المجتمع، ويمتد من سلوك المواطن البسيط الى ممارسات الفاعلين المجتمعيين، فالحقل السياسي المغربي يعيش حالة إختراق كبير لمجموعة من المسلكيات الهدامة التي حورت قيمه وجعلت من أهدافه عبثا ممتدا في الزمن وفي المسار المؤسساتي، يهدد بوضع المجتمع في حالة من الدونكيشوتية، ومن الملاحظات اللافتة في الممارسة السياسية الحزبية سيادة الأقنعة في تدبير الشأن العام والتعاطي المزدوج مع قضاياه، حيث أصبح المواطن عاجزا أمام وضعية الإنفصام التي أصبحت تطبع السلوك الحزبي الموجه لفعل أصحاب القرار، والعجز أمام المعلن والواقعي.
إن النفاق السياسي تحول من سلوك فردي محدود للفاعل الحزبي في تعاطيه مع المجال السياسي والمؤسساتي إلى ظاهرة مهيمنة و لها فعالية كبيرة في توجيه الكل المجتمعي، بل وإفراغ مفاهيم المصلحة العامة والشأن العام من مضامينها الحقيقية وإحلال مضامين جديدة عوضا عنها من طرف انتهازيي السياسة و منافقو الحزبية.
إن المجال السياسي بمنظومته القيمية والمعيارية و المرتكز على قيم الوضوح الملتزم على مستوى المواقف والقرارات والمرجعيات، والمنتج لسلوك و ممارسات سياسية هدفها الأسمى هو خدمة الصالح العام هو المرجع الأكيد والموجه الضروري للممارسة الحزبية للفاعلين المجتمعيين سلطة ومنتخبين، لكن بالرجوع للوضع المختل لمجال التدبير العمومي نتيجة لما عرفه من عمليات تبخيس و تخريب ممنهج عبر سيرورة طويلة لازالت تمتد وتتقوى، يمكن أن نلاحظ دون عناء طغيان النفاق السياسي بأقنعته المتعددة كمؤشر على العقليات التي ابتلي بها المجتمع المغربي، الذي أصبح محكوما بعقليات هدامة لكل آمال مجتمعية في التنمية والعيش الكريم.
إن رداءة الزمن السياسي المحكوم بقيم متخلفة تستحضر القبلي، والعرقي، وذوي القرابة والتي أصبحت هي الموجهة للفعل التدبيري، وكتابا مقدسا تستند عليه النخب المحلية والجهويات العشائرية والقبلية والزوايا الحزبية، للحفاظ على مصالحها الذاتية، مستغلة ضعف منسوب الوعي السياسي المواطناتي، والذي تحول الفرد بموجبه إلى متلقي إكراميات وصدقات يجود بها القيمون على الشأن العمومي.
إن حقلا سياسيا بهذا الشكل شكل ويشكل مجالا خصبا للعبة النفاق السياسي، ومرجعا اجتماعيا واقعيا لسيادة القيم الانتهازية والوصولية و الإنتفاعية، ولأساليب الخداع والكذب والمراوغة والتذبذب في المواقف والتناقض في الادعاء بين القول والممارسة والفعل، وإحلالها محل القيم الديموقراطية والمواطناتية النبيلة خدمة للصالح العام .
إن التشخيص أعلاه لظاهرة النفاق السياسي في واقعنا الحالي ينطبق على الحالة المحلية والجهوية وهو ما نلحظه داخل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية في علاقتها بالرأي العام من خلال السعي وراء كسب ود المواطن دون منجز يذكر إلا وعود وردية، ومشاريع سراب لا تفتأ أن تتبخر مع أول خيوط للصباح؛ كما يمكن الإشارة الى النفاق السياسي في علاقة الفاعل السياسي بالسلطة، ومراكز القرار، وكذا في علاقات رؤساء ومديري المصالح برؤساء الجماعات المحلية والتواطؤات المفترضة من أجل تحقيق مصالح شخصية ضيقة على حساب مصالح المواطن وفي استهتار تام بالوعود الانتخابية المقدمة سابقا.
وقد أصبح الفعل السياسي في الوعي الشعبي مرادفا ” للتخلويض” ” تحراميت” و ” القوالب” نتيجة للإنتكاسات المتعددة والمتتالية التي عاشها كإفراز لهذا الفهم المقلوب للسياسة والذي وجد ترجمته في ممارسات الفاعل الحزبي.
هل ندين السياسة؟
أكيد أن الجواب سيكون بالنفي القاطع بل يجب إعادة الإعتبار للسياسة بمفهومها النبيل والنزيه، والعمل على فضح كل طفيليات العمل الحزبي والسياسي التي لا هم لها إلا مصالحها ولو لزم الأمر التحالف مع الشيطان.