مهنيون يسائلون مجلس الجهة حول مصير الإتفاقية الخاصة بسياحة الجبال و الواحات بدرعة تافيلالت

سبق لجريدة ” الجهة الثامنة” في إطار تتبعها لأشغال الدورة الأخيرة لمجلس جهة درعة تافيلالت المنعقدة بمدينة زاكورة أن سلطت الضوء من خلال نقل مناقشات المجلس بخصوص مجموعة من الأسئلة الكتابية التي توجه بها مجموعة من أعضاء مجلس الجهة، و خاصة السؤال الذي وجهه عبد المولى أمكاسو لرئيس مجلس الجهة، و الذي تمحور حول مآل تنفيذ الإتفاقية المتعلقة بسياحة الجبال و الواحات بجهة درعة تافيلالت، و هو الموضوع الذي عرف أخذا و ردا بين العضو المذكور، و رئيس الجهة، و هو ما أبان عن إشكال حقيقي يعيشه مجلس الجهة في أجرأة بنود هذه الإتفاقية، وإنجاز ما تم الإتفاق عليه من مشاريع في العديد من الأقاليم التي تم استهدافها في الإتفاقية من أجل النهوض بوضعية القطاع السياحي بالجهة باعتباره من القطاعات الحيوية القادرة على الدفع بالتنمية في عموم الجهة؛ لكن ما تم إثارته خلال أشغال دورة مجلس الجهة الأخيرة توضح بالملموس وجود معيقات حقيقية ترافق تفعيل هذه الإتفاقية، و هو ما سنعمل على استجلاء مناطق الظل فيه من خلال هذه المقالة.
وتداولت بعض المواقع الصحفية الجهوية بعضا من مضامين الإتفاقية المتعلقة بسياحة الجبال و الواحات بجهة درعة تافيلالت، و التي صادق عليها مجلس الجهة في إحدى دوراته؛ رغم أن الإرهاصات الأولى لبلورة هذه الإتفاقية تعود لسنة 2022، و التي حددت تكلفتها المالية فيما قدره 1.388 مليار درهم، وهو ما يشكل مجموع مساهمات الأطراف الموقعة على هذه الإتفاقية، و هي وزارة الداخلية، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وزارة السياحة والصناعة التقليدية والإقتصاد الإجتماعي والتضامني، وزارة الشباب والثقافة والتواصل، مجلس جهة درعة تافيلالت، ولاية جهة درعة تافيلالت، الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، الشركة المغربية للهندسة السياحية، و المركز الجهوي للاستثمار درعة تافيلالت؛ حيث وضعت الأطراف الموقعة على الإتفاقية هدفا خاصا لتمويل و تنفيذ بنود الاتفاقية من أجل تطوير السياحة الجبلية و الواحات في جهة درعة تافيلالت، وعيا منها لما يشكل القطاع السياحي من دور في استراتيجية التنموية المحلية و الجهوية.
و تضمنت هذه الإتفاقية جدولة زمنية من أجل الأجرأة الكاملة للمشاريع المتضمنة فيها، حيث تم توزيع إنجاز محاور الإتفاقية على مرحلتين إثنتين، همت المرحلة الأولى و التي ستمتد على مدى سنتين، من 2022 إلى 2024، و تتعلق بإنجاز برنامج استعجالي خصص له غلاف مالي قدر بـ 547 مليون درهم؛ فيما همت المرحلة الثانية لتنزيل بنود الإتفاقية أجرأة برنامج تكميلي يمتد على مدى سنتين من 2025 إلى 2027، وخصص له مبلغ إجمالي قدره 841 مليون درهم.
و حددت الإتفاقية الموقعة مساهمات كل الأطراف على حدة، حسب كل مرحلة، حيث سيساهم خلال المرحلة الأولى مجلس جهة درعة تافيلالت بـما قدره 272.5 مليون درهم، متبوعا بوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي من خلال الشركة المغربية للهندسة السياحية بما قدره 166 مليون درهم، ثم قطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بـ 8 مليون درهم، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بـ 33 مليون درهم، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بـ 25 مليون درهم، والمديرية العامة للجماعات الترابية بـ 23 مليون درهم، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بـ 10 مليون درهم، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل بـ 9.5 مليون درهم.
أما بخصوص المرحلة الثانية، المتعلقة بالبرنامج التكميلي للفترة الزمنية 2025-2027 فقد حددت مساهمات أطراف الإتفاقية كالتالي، مجلس الجهة 338 مليون درهم، وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد عبر الشركة المغربية للهندسة السياحية 244 مليون درهم، وزارة الشباب والثقافة والتواصل 111 مليون درهم، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات 43 مليون درهم، وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة 34 مليون درهم، الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان 27 مليون درهم، المديرية العامة للجماعات الترابية 24 مليون درهم، وقطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني 20 مليون درهم.
و الجدير بالذكر، أن هذه المساهمات قد وضعت جدولا زمنيا لتعبئتها، حيث وزعت عملية المساهمات على امتداد ثلاث سنوات للسماح للأطراف الموقعة على الإتفاقية على تعبئة الموارد اللازمة للوفاء بالتزاماتها في تنفيذ هذه الإتفاقية وفق ما تضمنته بنودها، حيث تمكنت هذه الأطراف من تعبئة ما قدره 239 مليون درهم خاصة بسنة 2025، فيما ستتم تعبئة ما مجموعه 260 مليون درهم لـ 2026، و342 مليون درهم مخصص لسنة 2027.
و اسندت الإتفاقية الموقعة لمجلس جهة درعة تافيلالت مهمة الإشراف على تنفيذ بنودها باعتباره ” صاحب المشروع”، فيما تم تكليف الشركة المغربية للهندسة السياحة – إستثناءا- بمسؤولية إنجاز بعض المشاريع المدرجة في بنود هذه الإتفاقية، وإسناد مهام صاحب المشروع المنتدب إلى شركة التنمية الجهوية السياحية ، والتي تتولى تفعيل وتنفيذ مضامين البرنامج موضوع هذه الاتفاقية.
ويتساءل العديد من المتتبعين، و بناءا على ما تم جرده، و ما تم تداوله في نقاشات دورة مجلس الجهة الأخيرة، لماذا لم تعرف بنود هذه الإتفاقية طريقها نحو الإنجاز بعد مرور سنوات على توقيعها؟ و هل ستجد مشاريع هذه الإتفاقية طريقها للإنجاز أخذا بعين الإعتبار انصرام المرحلة الأولي لتنزيل البرنامج الإستعجالي و الذي يغطي المرحلة الممتدة ما بين 2022 إلى 2024، و انقضاء زمن ليس بالهين من المرحلة الثانية المتعلقة بالبرنامج التكميلي للفترة الزمنية 2025-2027، و الذي مرت من سنته الأولى ما يقارب الأربعة أشهر، و لازالت الإتفاقية لم يؤشر عليها بعد لتمر لمرحلة التنفيذ.
ومحاولة لإيجاد أجوبة على الإشكالات التي تواجه تنفيذ بنود هذه الإتفاقية، و استنادا على ما سبق أن تضمنه السؤال الكتابي الذي طرحه عبد المولى أمكاسو في الدورة الأخيرة، يمكن القول على أن تنفيذ هذه الإتفاقية قد دخل نفقا من الصعب الخروج منه للعديد من الإعتبارات، منها ما يتعلق بالقوانين المرتبطة بتدبير مجلس الجهة، و كذا التحولات التي عرفتها العديد من مناصب المسؤولية و التي ستجلب معها اختلافات جديدة على مستوى التصور مما يزيد الطين بلة، و يدخل تنفيذ هذه الإتفاقية في حكم المجهول.
وحمل جواب رئيس الجهة مجموعة من المعطيات في معرض رده على سؤال عبد المولى أمكاسو، و التي سيقت كجواب على ما تم طرحه، في حين أن ما تضمنه جواب رئيس الجهة يعتبر – في غفلة منه – معيقات ستحول لا محالة دون أن تعرف هذه الإتفاقية النور في المنظورين القريب و المتوسط، إن لم نقل خلال الولاية الإنتدابية للمجلس الحالي؛ و أولى هذه المعيقات يتعلق بإنشاء شركة جهوية للسياحة، و التي رغم المصادقة عليها خلال إحدى الدورات إلا أنها لم تحظى بتأشير الجهات الوصية، بسبب ما أسماه الخبير بالمجال السياحي الزوبير بوحوت، بالعقبات الإدارية والتنظيمية؛ إضافة إلى العقبة الثانية التي تضمنها جواب رئيس الجهة الذي أكد على العزم على تكليف وكالة تنفيذ المشاريع بإنجاز بعض المشاريع ” السهلة” و هو ما عقب عليه عبد المولى أمكاسو استنادا إلى مقتضيات بنود الإتفاقية التي تتنافى مع اختصاصات الوكالة المذكورة إضافة إلى كون هذه الأخير – الإتفاقية – تتضمن مشاريع للتسيير و ليس للإنجاز و هو ما ينفي أية علاقة للوكالة المذكورة ببنود الإتفاقية، إضافة إلى ما سبق أن عبر عنه الزوبير بوحوت على أن جواب وزارة السياحة على المقترح القاضي بمنح وكالة تنفيذ المشاريع بالجهة صلاحية تنفيذ الاتفاقية كان بالرفض اعتبارا لكون هذه الوكالة مكلفة بعدة مهام ولا تمتلك الخبرة الكافية لتنفيذ مشاريع سياحية بهذا الحجم، خلافا لشركة الهندسة السياحية التي راكمت خبرة تقنية و ميدانية كبيرة في هذا المجال.
و نشير على أن باقي أجزاء جواب رئيس الجهة – المعيقات ضمنيا – تشير إلى وجود مشاورات مفتوحة مع الوالي الجديد للجهة إضافة إلى عمال الأقاليم الخمس من أجل إعادة صياغة بنود الإتفاقية وفقا للمعطيات الاقليمية التي ستعدها فرق العمل الخاصة التابعة لإشرافهم، موازاة مع عزم مجلس الجهة لإطلاق سلسلة من اللقاءات من أجل تحيين بنود الإتفاقية؛ هذه التدابير التي تطرح العديد من علامات الإستفهام حول مدى إدراك مجلس الجهة للصعوبات التي تطرحها هذه التدابير، و التي ستعطل سيرورة هذه الإتفاقية أكثر من التسريع في وتيرة أجرأتها، خاصة أن بلورة هذه الإتفاقية ستلزم منطقيا و منهجيا التشاور القبلي مع مهنيي القطاع، إضافة إلى أن فتح التشاور من جديد مع ممثلي سلطات الوصاية سيحمل تصورات و رؤى متباينة تتطلب زمنا ليس باليسير لتقريب وجهات النظر باستحضار رهانات كل الأطراف، زيادة على أن هذه المشاورات من المؤكد أنها ستعيد النظر في العديد من المشاريع التي من الممكن إنجازها، و هو ما سيؤدي بالضرورة إلى تضمين هذه التعديلات في نص الإتفاقية، و هو ما يفترض مشاورة كل الأطراف الموقعة على الإتفاقية، مما سيضع معه مجلس الجهة في مأزق قانوني و تدبيري يفرض عليه إما إلغاء الإتفاقية السابقة، و تعويضها باتفاقية جديدة بناءا على مستجدات المشاورات، أو إعادة التصويت عليها خلال دورات قادمة للمجلس – إذ أن أي تعديل يستوجب تصويت المجلس عليه- دون أي ضمانات فعلية عن موقف باقي الأطراف من هذه التعديلات، و الإستمرار في الإنخراط فيها كأطراف فاعلة.
و اعتبر الصديق بوحوت في سياق قراءته لبنود هذه الإتفاقية أن المشاورات كان ينبغي أن تتم عام 2021 بمشاركة جميع الفاعلين المعنيين، مضيفا على أن أي تعديل بنود الاتفاقية يتطلب إما إلغاؤها أو إعادة التصويت عليها داخل المجلس، مما يطرح تساؤلات حول موقف الشركاء الذين وقعوا الاتفاقية بناء على مشاريع محددة سلفا؛ زيادة على ذلك فإن الموافقة على التعديلات المقترحة تطرح إشكالية مصير المشاريع التي كانت مقررة لعام 2022، إذ يتعين على جميع الأطراف الموقعة الموافقة على التعديلات، مما قد يؤدي إلى تعطيل التنفيذ أكثر فأكثر.
و انتقد الخبير في المجال السياحي بوحوت الصديق فشل الإتفاقية في ملامسة الإنشغالات الحقيقية للقطاع السياحي بالجهة، إضافة إلى عدم قدرتها على تقديم حلول ناجعة للإختلالات الكبيرة للقطاع السياحي جهويا، و المتعلقة بضعف البنيات التحتية، و الربط الجوي، و إغفال أهمية البنية الثقافية والسياحية وتعزيزها ، لاسيما عبر إنشاء المتاحف، في الوقت الذي جنحت فيه الإتفاقية إلى إقرار “مشاريع مثيرة للجدل” و هي مشاريع قد لا تكون ذات جدوى اقتصادية واضحة، كما هو الشأن – حسب بوحوت- بالمشروع المتعلق بإنشاء ملعب غولف في الصحراء بتكلفة 100 مليون درهم في الراشيدية، وهو ما يطرح سؤال الجدوى في ظل أزمة ندرة المياه، و المقاربة الرسمية الجديدة للدولة بخصوص تدبير المياه.
و ختم الخبير المذكور بإحالة على الأدوار التي كان من المفترض أن تلعبها مجموعة من الهيئات و المجالس المهنية في هذه الظرفية، كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الجهوي للسياحة ، إلا أن حالة الجمود، والصراع التنظيمي الذي يعيشه حال دون أن يكون في مستوى اللحظة، كما أن المجلس الإقليمي للسياحة، الذي يعيش وضعية شبه الجمود لما يناهز ثلاث سنوات، لم يتمكن بدوره من المساهمة برؤيته فيما يتعلق بالمشاريع المتضمنة في الإتفاقية رغم تجديد مكتبه مؤخرا.