يوسف الكوش يكتب: الجهة و سانتاكلوز ” مول الخنشة “
سويعات قليلة تفصلنا على رحيل سنة 2022، سنة عشناها بأفراحها وأتراحها، وكنا نمني النفس بأن تكون أفراحها لها نصيب الأسد، وللأسف كانت إنتكاساتها وخاصة فيما يتعلق بالتنمية في هذه الجهة المكلومة، والتي لم تجد طريقها بعد نحو الإنعتاق من وضعها البئيس. كنا نمني النفس على أن تكون 2022 سنة حبلى بكل ما هو جميل وصادق، سنة للبناء والتقدم على جميع الأصعدة، وعندما فتح سانتاكلوز حقيبة هداياه للجهة، لم تكن إلا هدايا قديمة، مسمومة ومتعفنة، بتغليف جديد، كما لو أن ساكنة المدينة والجهة بدون ذاكرة.
2022 كانت سنة الوجع، وتدمير ما تبقى من آمال لدى الساكنة في العيش الكريم، كباقي الجهات؛ فمنذ اللحظات الأولى للعبة الإنتخابية والمواطنون يضعون أيديهم على قلوبهم، خوفا من المستقبل، وخوفا من التدبير الفاشل لهذه اللحظة من طرف القيمين عليها، خصوصا بعدما خرجت للعلن كل أنواع الزواحف، و”مشرطي الحناك”، وكل طفيليات الريع والجهل والأمية لتتصدر المشهد في مظهر مقزز يبعث على الغثيان، وكانت هي مؤشرات على أن الجهة والمدينة تعيش وضع الإدانة بشكل مؤبد بالبقاء في هذه الوضعية، ولما لا الإجهاز على النزر القليل الذي تم بناؤه ولو على مضض.
سنستقبل السنة الجديدة، بوضع مختل على جميع المستويات، فلا بصيص أمل، فكل القطاعات محليا وجهويا تعيش حالة من الفوضى، وهي فوضى ممنهجة، مقصودة ومتحكم فيها لمصلحة لوبيات فساد تعتبرنا ، وتعتبر شأننا العام من بقايا إرث الأجداد، وليس من المهم من هو على رأس المسؤوليات، مادامت العديد من المؤشرات التي تفقع الأعين تدل بما لا يدع للشك على أن القرارات تؤخذ خارج السياق المؤسساتي، ويتحكم فيها سدنة الجهل و ” عبيد الصنك ” من أصحاب الثروات، والمستحوذون على كل النعم، إلا نعمة العقل والثقافة، وأصحاب الأرصدة المتخمة، إلا رصيد النزاهة والشفافية؛ وأصحاب المساحات الممتدة على مرمى العين، والمفتقدين لموطئ قدم في حب هذا الوطن، هذه الأمساخ والماسكين بخيوطها في الخفاء المعلن هي التي ملأت فضاءنا العام، دون أدنى حد من الخجل والحشمة، غير بطون بارزة، وأوداج منتفخة، ورؤوس فارغة، وعاجزة عن نظم جملة سليمة؛ هذا هو الوباء الذي إستحكم قبضته على مصيرنا المحلي، والذي جلبه سانتاكلوز كهدية للسنة التي سنودع.
بأي حال جئت أيتها السنة الجديدة ؟
مؤرق هذا السؤال، مادام نفس مقدم الهدايا هو من سيقدمها مجددا، وأكيد أننا لازلنا نعيش نفس الغثيان، والمؤشرات القادمة تنذرنا بسنوات عجاف لازالت تتمدد حتى تضاءل الأفق؛ أي جديد سننتظر في جهة لازالت للسنة الثانية لم تستطع بلورة برنامج للتنمية الجهوية، ولازالت رئاسته عاجزة بالمطلق حتى على فهم دورها التي أًسقطت فيها عنوة للتسلط على مصير هذه الجهة في إطار جبر الخواطر ومكافئة نهاية الخدمة، رئاسة لا تدرك أبدا اختصاصاتها الترابية والمحددة قانونيا ودستوريا، كما لو أنها تعاني أزمة إدراك، والتي هي بالمناسبة مشكل نفسي بالدرجة الأولى، رئاسة أبانت عن عجزها الفاضح ولو في التمييز بين مشاريع منجزة، أو تلك التي تدخل في اختصاص جهات اخرى، والأدهى هو ” التنقاز ” على مشاريع ذات طابع سيادي…أي ويل نعيش في ظل الدرجة الصفر من التكوين السياسي والقانوني لهؤلاء الضيوف الذين حلوا علينا كضيوف منتصف ليل شتوي؟.
مؤرق هذا السؤال مادام سانتاكلوز ” مول الخنشة ” هو المتحكم في كل شاذة وفادة، كالأم ليلة زفاف ابنتها، زئبق يخترق كل شيء، من الحياة الخاصة، الى بنود الدورات، ومسارات التمويل، ولوائح الحضور، وحتى ترتيب المقاعد والجالسين عليها، بل وحتى مهام التنظيم؛ هل في استمرار وضع كهذا يمكن ألا نخشى على مصير هذه المدينة وعموم الجهة؟
مؤرق هذا السؤال ونحن نواكب مخرجات اللعبة، وما أنتجته من مجالس، بعضها لم يستطع ولو تشكيل مجلس دون تدخل الجهات إياها، فكيف لها أن تنتج وتبلور رؤية تنموية وأعضاؤها أقصى إهتماماتهم الحصول على سيارة الخدمة كما لو بهم حنين للسياقة؛ كيف لمجالس كهذه التي ابتلينا بها يتسابق رؤساؤها على الحصول على امتيازات بسيطة ولو العمل كمتعاقد مقابل التخلي على مسؤوليته السياسية داخل المجلس الذي صوت له المواطنون ظنا بكونهم البديل المنتظر؟؟؛ وكيف لمجالس يعلوها صوت الجهل أن تنتج برنامجا للتنمية، وأن تمتلك حصانة ضد كل عوامل الكبح والتسلط أيا كان مصدرها، إحتراما للثقة الشعبية الممنوحة لها.
أتأمل هذا الوضع الذي تعيشه الجهة، ولا أرى بصيصا للأمل، بنيات تحتية متهالكة، وتزيد تهالكا يوما بعد يوم، العطالة اخترقت كل البيوت ولازالت البيوت تستقبل، وطرق الهجرة اللاقانونية تفتح مساراتها أمام قوافل الشباب الذين ننعيهم كل مرة يموتون بجبال ووديان دول أخرى في سعيهم للوصول للقارة العجوز، شباب لم تستطع كل المحالس الترابية على تعداد ألوانها أن توفر له لقمة عيش كريم، أو بنيات استقبال رياضي وثقافي تحميه من مسارات الإكتئاب وعيش اللاجدوى، بل والقضاء على تلك الزهور التي أينعت رياضيا وحرمانها بكل وقاحة من حقها الدستوري من الدعم، رغم تضحيات القيمين على الشأن الرياضي من قوتهم اليومي لإبقاء جدوة هذه الشعلة الرياضية، ولكن الواقع عنيد كما يقال؛ ولم يقتصر الوضع على الجانب الثقافي والرياضي بل وحتى التعليمي من خلال حرمان الجهة من احتضان جامعة مستقلة كباقي الجهات، وحرمانها من حقها في احتضان معاهد عليا، بل نحت الجهات المسؤولة على تحريض العاملين في القطاع الصحي على مغادرة الجهة لأنها بكل بساطة لا قيمة لها وهو ما لمح له المعين على رأس الشأن الصحي في وطننا العزيز، وهو ما سجلناه مؤخرا من استقالات ونزيف كبير في القطاع الصحي مؤخرا بالمدينة ينضاف الى الخصاص المهول الذي تشهده المدينة والاقليم والجهة أصلا… بل وتم تكريس وضع موبوء ومشحون اتجاه الجسم الصحفي الجاد لتكميم الأفواه للتستر على ما يقع في هذه الجهة المقصية من خروقات ومن هتك للقوانين والدستور، ومن نهب للمال العام دون أن ترف الأجفان، ومن الفوضى التي تعيشها العديد من القطاعات تحت صمت سلطات الوصاية كما هو الشأن في قطاع المعادن، الفلاحة، العقار،..
سننتظر حلولك أيها العام الجديد، وننتظر هدايا ” مول الخنشة ” والتي لا نتوسل فيها خيرا بالأصل، ورغم تشاؤم العقل، سنبقى محتفظين بالأمل، وبتفاؤل الإرادة، ونكمل المسير، متمثلين لما راكمناه كصحافة جهوية جادة، ونزيهة، رغم الطعنات التي تلقيناها أو التي سنتلقاها مستقبلا من العديد من الجهات، والتي لن تجعل أقلامنا تجف عن قول الحقيقة المرة، مادامت أقلامنا أقلام حبر، وليست أقلام مملوءة بالمرق، سنواصل رغم حرماننا المتعمد والمقصود من حقنا في الدعم العمومي والذي هو حق، وليست منة ولا هبة ممن ألفوا منطق المن والهبات، سنواصل وانتظرونا ولا تنتظروا سانتاكلوز ” مول الخنشة “.