آخر الأخبارالرشيديةثقافة وفن

العرض المسرحي”أسوغ”: أو عندما يشتبك الحب مع الحقيقة

حيثما يوجد الحب يعتاش المحظور، وحيثما يوجد المحظور يعتاش الحب، هذا كان لسان حال العرض المسرحي “أسوغ”، الذي قدمته فرقة أثينا من تنغير بالمركز الثقافي تاركا بالرشيدية.

العرض هو عبارة عن وقفة استرجاع لذكريات رجل كان شاهدا على قصة حب بين شابين في زمن الخمسينيات في واحة تودغى، أيام كان المسلمون واليهود يتساكنون ويتجاورون في قصور الواحة. ولما كان الأمر متعلقا بقصة حب، فقد آثر الراوي على نفسه وهو يخاطب الجمهور، أن تكون قصته لا كمثل القصص الأخرى. أي نعم، هي قصة نبعت من فيض تناقضات الواقع وتوتراته، لكنها قصة تنيزها هذه النفحة الأنثربولوجية التي يختص بها الجنوب الشرقي.

تنهض القصة في مستهلها على لقاء استباقي بين شابة مسلمة وشاب يهودي، يلتقيان بغتة في لحظة حاسمة، وكأنهما يريدان أن يعلنا لبعضهما عن خبر سار يكون سببا في حل جميع مشاكلهما، لكن الراوي يتعسف فجأة على المشهد، ويقطع المشهد، ليعود بنا إلى الوراء، ويقص لنا بلغة المسرح، جذور هذا اللقاء المباغت، ومآلاته. يبدأ العرض على مشهد قرع الطبول، طبول الحرب، أو قل طبول الحب. فتبدأ الحكاية، كما بدأ أول الخلق؛ أدم وحواء يلتقيان لقاء طهرانيا قبل أن تبنى جدران الألوان، والأعراق، والألسن، والأديان، والجغرافيا. تمضي قصة الخلق، وتتلوها قصة الوعي، وهي اللحظة التي تبدأ فيها الجدران بالظهور، تتحرك يمينا وشمالا، وتتكاثر، وتعزل هذا عن تلك، وذاك عن تيك. لكن الجدران مهما علت، واشتد سلطانها على جماعات البشر، فإن الحب يخترق صلابتها، ويحولها إلى جداريات؛ فداود، العاشق الولهان، الذي جال وصال بحبه في كل حدب وصوب، لم يتوقف لحظة عن كتابة الشذرات والأقوال المأثورة على جدران القصور التي يعبرها، فيحولها إلى لوحات تعبيرية، انتقاما منه لصلابتها ومتانتها، ووقوفها حائلا بينه وبين معشوقته إيطو.

إن سؤال الأصول، هو سؤال العرض الأكبر، ليس فقط بسبب سلطانه الرمزي الثقيل على المختلفين عرقيا ودينيا، إنما أيضا بسبب هلاميته الفجة، التي قد يظهر أدنى عامل في لحظة ما فيجشم صلابته وسلطانه. هذا مع وقع بالفعل، فما إن اكتشف العشيقان الوصية، حتى تكشف سر الأعراق وانقلبت موازين الحقيقة، فلم يعد المنتسب إلى هذه الجهة أو تلك سوى خدعة تاريخية، دبرتها ظروف البقاء. بالطبع، كيما يبزغ نور الحقيقة، لا بد أن ينتظر العشيقان وصول اليوم المقدس، ذلك اليوم الذي تعلق فيه القيم والمعايير والأعراف إلى حين، فيغدو كل شيء مباحا دون قيد أو شرط. هو اليوم الذي يتلبس بلبوس الحقيقة، ويرتدي قناعها، ويقتل شيطان المجتمع. ويلتقي العشيقان كما لو كان عروسان. لكن هيهات، حتى وإن أخرسنا مزامير الأعراف والعادات، فإننا لا نقدر على إخراس تلاوين الحقيقة، إذ تظهر، وتتزيا بومضات الضوء، وتتلون بألوانه. فالحب لا يخضع لسلطان المعنى وحده، بل يخضع لسلطان الحقيقة أيضا. وهذه هي قصة العرض؛ حب يشتبك مع الحقيقة.

يندرج هذا العرض في إطار برنامج دعم وإنتاج وترويج العروض المسرحية من طرف وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة. وقد كان العرض المقدم بالمركز الثقافي تاركا-الرشيدية إعلان عن الإنطلاقة الفعلية لجولة وطنية،  بدأت بالرشيدية، وستنتهي ب سلا، مرورا بالريصاني ومكناس والقنيطرة.

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى