
صدر مؤخرًا للدكتور الحسن بوزياني كتاب جديد باللغة الفرنسية بعنوان: Les défis de l’éducation dans l’ère numérique : opportunités et menaces (تحديات التعليم في العصر الرقمي: الفرص والتهديدات)، وهو مؤلف من 228 صفحة، ويستعرض فيه الباحث أهمية مواكبة تطورات التعليم في ظل الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم اليوم.
التربية: ركيزة أساسية للتطور المجتمعي
في مقدمة كتابه، يشير الدكتور بوزياني إلى أن التربية كانت ولا تزال العنصر الأساسي في تطور المجتمعات البشرية، حيث سعت عبر العصور إلى مواكبة التغيرات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. ومع بزوغ العصر الرقمي، وما يرافقه من تحولات سريعة، أصبح النظام التعليمي يواجه تحديات غير مسبوقة تستدعي إعادة النظر في آلياته وأهدافه.
الفرص والتهديدات: ازدواجية العصر الرقمي في التعليم
يرى الكاتب أن إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال (NTIC) في التعليم يحمل في طياته فرصًا كبيرة لتعزيز التفاعل بين المتعلمين، وتطوير أساليب التعليم، وتوسيع الوصول إلى المعرفة. ولكن، في المقابل، يثير هذا التقدم تساؤلات حول التوازن بين الحداثة والتقاليد، وبين الابتكار والحفاظ على القيم الإنسانية، وهو ما يمثل جوهر الكتاب.
التعليم الرقمي في المغرب: تحديات وفرص
يتناول الدكتور بوزياني في فصله الخاص بتحديات التعليم الرقمي في المغرب واقع التحول الرقمي داخل المدارس المغربية. ففي الوقت الذي تتيح فيه التكنولوجيا إمكانيات هائلة لتحسين جودة التعليم وتوسيع فرص التعلم، تشير المعطيات إلى أن الفجوات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد قد تؤدي إلى تعميق التفاوتات بين المناطق الحضرية والقروية. ويطرح الكاتب تساؤلات بشأن تكافؤ الفرص، جودة البنية التحتية، وتكوين المعلمين في ظل هذه التحولات.
استكشاف جوانب التحول الرقمي في التعليم
يسلط القسم الأول من الكتاب، الضوء على الفرص التي توفرها التقنيات الرقمية في التعليم، مثل المنصات الإلكترونية، الأدوات التفاعلية، والذكاء الاصطناعي. هذه التقنيات تساهم في تخصيص التعلم وتعزيز الإدماج التربوي، مما يساهم في إعداد المتعلمين بمهارات تناسب العالم المتصل والمتطور.
أما القسم الثاني، فيناقش المخاطر والتحديات التي قد تواجه النظام التعليمي في العصر الرقمي، مثل الفجوة الرقمية التي تساهم في تعزيز التفاوتات بين الطبقات الاجتماعية والمناطق الجغرافية. كما يستعرض الكتاب التحديات المتعلقة بالأمن السيبراني، انتشار المعلومات المضللة، والإفراط في استخدام الشاشات وتأثيرها على صحة المتعلمين النفسية والجسدية. كما يعرض الكاتب إشكاليات تتعلق بضعف تكوين المعلمين ونقص البنية التحتية، مما يعوق فعالية التحول الرقمي.
حالة التعليم الرقمي في المغرب: نظرة معمقة
خصص الدكتور بوزياني جزءًا من مؤلفه لتحليل واقع التعليم الرقمي في المغرب، مشيرًا إلى المبادرات الحكومية مثل برنامج “جيني” ومنصة “TelmidTICE”. وعلى الرغم من الطموحات الكبيرة لهذه المبادرات، لا تزال هناك فجوات واضحة بين المناطق الحضرية والقروية، مما يستدعي تعزيز تكوين المعلمين والتوسع في البنية التحتية لتأمين تعليم رقمي شامل لجميع فئات المجتمع.
رؤية استشرافية: التوازن بين الابتكار الرقمي والقيم الإنسانية
يختتم الكتاب برؤية استشرافية تدعو إلى تحقيق توازن بين الابتكار التكنولوجي والحفاظ على القيم الإنسانية الأساسية. ويؤكد على أهمية صياغة سياسات تعليمية شاملة ومستدامة تهدف إلى تحويل التحديات إلى فرص حقيقية لبناء نظام تعليمي يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين.
كتاب موجه لصناع القرار والمعلمين والطلاب
يستند الدكتور بوزياني في تحليله إلى أمثلة عملية، وشهادات، ودراسات حالة تهدف إلى تقديم رؤى عملية لصناع القرار، والمربين، والطلاب، والأسر، مما يساعدهم على التكيف مع التحول الرقمي في التعليم بأفضل طريقة ممكنة، ويخفف من مخاطره المحتملة.
للدكتور الحسن بوزياني العديد من المؤلفات في مجالات متنوعة، مثل الشيخوخة، الصداقة، المرفق العمومي، تكوين الأطر، والمهن الصحية الحرة. وقد بدأ كتابه بتقديم شكر لكل من ساهم في مسيرته العلمية والمهنية، مستلهمًا من مقولة “غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون”.
و شغل الدكتور بوزياني عدة مناصب رفيعة داخل وزارة الصحة المغربية، كما أنه حاصل على شهادات عليا في القانون العام، وتدبير الموارد البشرية، وحصل على دكتوراه الدولة في الدراسات الاستراتيجية. بالإضافة إلى ذلك، يعد من أوائل المتخصصين في علم النفس العصبي بالمغرب، مما يعكس تنوعًا وثراءً في مجالات معرفته التي لا تقتصر على مجال واحد.
من خلال هذا الكتاب، يواصل الدكتور بوزياني إثراء المكتبة العربية والفرنسية بإسهامات علمية قيّمة، ليظل مرجعًا أساسيًا للباحثين والمختصين في مجال التعليم والتحول الرقمي.