
لازالت جهة درعة تافيلالت عموما، و إقليم الرشيدية خصوصا يعرف بين الفينة و الأخرى بروز ملفات تتعلق بالتدبير العشوائي، و اللاقانوني الذي يستنزف جزءا من الملك العمومي العقاري، و خاصة المتعلق بالأراضي السلالية، و الجماعية؛ و هو تدبير يعد من أبرز أوجه الفساد و الإجهاز على سيرورة التنمية بالمنطقة، و استهداف ممنهج لأحد المرتكزات المادية للسياسات العمومية الهادفة إلى النهوض بظروف عيش الساكنة المحلية، و محاربة الفوارق المجالية من أجل بلوغ التنمية المرجوة.
و تفجرت مؤخرا إحدى الملفات المتعلقة بأراضي الجموع التابعة لقيادة وادي النعام، حيث عمد نواب الجماعات السلالية لكل من قصر بوذنيب و قصر الطاوس إضافة إلى نائب أراضي الجموع لقصر تازوكارت، إلى تقديم موافقة لكراء عقار جماعي لأحد الخواص باسم شركة لا تتمتع بوجود قانوني.
و بالرجوع إلى محضر الموافقة المبدئية لكراء عقار جماعي والذي وقعه كل من النواب المشار إليهم سابقا، و الواقع بالنفوذ الترابي لقيادة وادي النعام، فقد اجتمع نواب الجماعات السلالية لقصور بوذنيب الطاوس و تازوكارت أوائل سنة 2023 للنظر في كراء عقار جماعي، المتواجد بالعقار المدعو “أسامر” تتجاوز مساحته 5 هكتارات الكائن بالمكان المسمى “أسامر” التابع للجماعات السلالية المشار إليها أعلاه بجماعة و قيادة وادي النعام بوذنيب. موضوع طلب أحد الأشخاص بصفته ممثلا لإحدى الشركات من أجل استغلاله في أغراض فلاحية.
وقرر جميع نواب الجماعات السلالية المعنية الموافقة على كراء العقار الجماعي المذكور، ما يثير التساؤل هو الجهة التي استفادت من عملية الكراء المذكورة، إذ بالرجوع للوثائق الخاصة بهذه الشركة – تتوفر جريدة “الجهة الثامنة” على نسخة منها – فالأمر يدعو للإستغراب، فالشركة المذكورة، حسب المعطيات المضمنة بالسجل التجاري للمحكمة الإبتدائية بمدينة الرشيدية، قد تم إنشاؤها و تسجيلها بتاريخ 28 فبراير 2024.
ووفقا لهذا المعطى، فالشركة المذكورة المكترية للعقار الجماعي المتواجد بالعقار المدعو “أسامر” التابع للجماعات السلالية لقصور بوذنيب الطاوس و تازوكارت منذ أوائل سنة 2023، لم يكن لها أي وجود قانوني فعلي إلا بعد تسجيلها بالسجل التجاري للمحكمة الإبتدائية بالرشيدية بتاريخ 28 فبراير 2024، إلا إذا أصبح تاريخ تأسيس الشركات و الكراء لدى نواب أراضي الجموع و الجماعات السلالية، و السلطات المحلية لوادي النعام يكتسي طابعا رجعيا، و الزمن يعود للخلف بالمنطقة؛ وحتى ولو اعتبرنا- افتراضا- التزام السلطات المختصة بما هو مسطر قانونا، فإن مجموع المدة المنصوص عليها في دليل الكراء و الذي يغطي مجموع المدة التي يستغرقها الحصول على عقد الكراء منذ مرحلة إعداد عقد الإيجار لدى السلطة المحلية إلى مرحلة تسلم نسخة من العقد الموقع للمعني بالأمر فإنه لا يتعدى 194 يوم أي سبعة أشهر كأقصى حد وهو ما لا يسمح للشركة المذكورة بالتواجد في تاريخ الموافقة على كرائها للعقار الجماعي المذكور بقيادة وادي النعام.
إضافة إلى ما سبق تطرح العديد من علامات الإستفهام، خاصة إذا أخذنا بعين الإعتبار المقتضيات التي تضمنها دليل كراء الأراضي الجماعية الصادر عن وزارة الداخلية، في القسم الخاص بالكراء بالتراضي، يمكن تسجيل أن من بين الوثائق الواجب الإدلاء بها أثناء تكوين ملف الكراء، و التي يتعين على المستثمرين المعنيين تقديمها القانون الأساسي والسجل التجاري إذا تعلق الأمر بشركة، و الأمر هنا يتعلق بشركة للإستغلال الفلاحي، و السؤال المطروح، هل قدم ممثل الشركة المذكورة القانون الأساسي لشركته ضمن وثائق ملف طلب الكراء؟ و هل قدم السجل التجاري للشركة المذكورة أثناء طلب الكراء أوائل سنة 2023 ؟ علما أنه لم يتحصل عليه إلا بتاريخ 28 فبراير 2024؟ أم أن ملف الكراء لم يتضمن هاتين الوثيقتين؟ و هنا يحيلنا هذا الأمر على الجهات المحددة قانونا لتتبع عملية كراء العقار الجماعي.
و استنادا لنفس الدليل المشار إليه أعلاه؛ فإن ملف طلب كراء عقار جماعي يبدأ بمحضر الموافقة المبدئية لنواب الجماعات السلالية و نواب أراضي الجموع ليأتي الدور على السلطة المحلية ، والتي بعد توصلها بالوثائق المقدمة من طرف المستثمر، تحيلها على مصالح العمالة، و التي تحيلها بدورها على اللجنة الإقليمية المكلفة بدراسة ملفات الكراء و التي يعهد برئاستها إلى عامل الإقليم أو من يمثله للإجتماع قصد دراسة الطلبات المعروضة عليها، و هو ما يطرح العديد من علامات الإستفهام حول الكيفية التي تم من خلالها كراء العقار للشركة المذكورة، و التي تحوم حولها شبهات عديدة، على رأسها الكراء بأثر رجعي، وبتاريخ سابق عن تأسيس الشركة، تجنبا لرفض السلطة المحلية، فهل ستتدخل الجهات المختصة لفتح تحقيق في الموضوع؟ أخذا بعين الإعتبار التوصيات الخاصة التي ختم بها الدليل المذكور، و الذي أكد على السلطات المعنية بكراء الأراضي الجماعية على ضرورة التعرف على هوية الأشخاص الراغبين في الكراء سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين، و على إمكانياتهم المادیة ومؤهلاتهم التقية لإنجاز مشاريعهم المقترحة.