الرشيديةمنبر الجهة8

يوسف الكوش يكتب …الفساد السياسي بجهة درعة تافيلالت: ثروات مهدورة وتنمية مغدورة

رغم ما تزخر به جهة درعة تافيلالت من مؤهلات طبيعية وبشرية واقتصادية، فإنها لا تزال تتذيل مؤشرات التنمية على الصعيد الوطني، وهو ما يطرح تساؤلات جادة حول طبيعة الحكامة المحلية، ودرجة انتشار الفساد السياسي الذي بات يشكل عائقًا أساسيا أمام كل إصلاح أو تقدم.

فخلال إنتخابات 2021 واجهت عدد من المجالس المنتخبة في الجهة اتهامات بسوء تدبير الشأن العام، وتورط بعض أعضائها في صفقات تثير الكثير من الشبهات، وهذا ما أكدته العديد من التقارير وذلك في صفقات مشبوهة؛ حيث أن مثل هذه الممارسات تُضعف ثقة المواطن في المنتخبين، وتُحبط المبادرات التنموية الحقيقية، إذ يتحول المال العام إلى وسيلة للإغتناء وليس أداة لتحقيق المصلحة العامة.

و تعتبر جهة درعة تافيلالت من بين الجهات الغنية على المستوى الوطني لما تمتلكه من موارد معدنية كبيرة، إضافة إلى الإمكانيات الفلاحية و السياحية؛ و رغم ذلك، ظلت هذه الجهة تتصدر مؤشرات الفقر و الهشاشة، و تشكل نموذجا للتهميش و الإقصاء الذي عانته و منذ عقود، حيث لازالت هذه الجهة تصارع فقط من أجل الحصول على بنية تحتية تخرجها من العزلة و التهميش، ورغم بساطة هذا المطلب فلازالت الجهة تعرف وضعا متدهورا على مستوى البنيات التحتية – حتى أصبح إنجاز أمتار قليلة من الإسفلت مصدرا لتفاخر المسؤولين و المنتخبين- و على مستوى الخدمات الإجتماعية، كالتعليم و الصحة، فالجهة تعرف خصاصا مدقعا على مستوى الأطر الطبية و التمريضية، و كذا البنية التحتية الإستشفائية التي لم تستطع لحدود الساعة تغطية المساحة الجغرافية المترامية للجهة، ناهيك عن التجسيد الفعلي و الحقيقي لسياسة القرب.

و اعتبرت العديد من الفعاليات المدنية المحلية أن هذا الواقع الهش و المأزوم هو خلاصة طبيعية لسنوات من النهب والفساد و الإفساد الذي تعرضت له الجهة، و لسيادة سياسة الإفلات من العقاب؛ إضافة لسوء التخطيط و غياب الرؤية مما ساهم في تبديد المال العام، و هدر العديد من السنوات دون حصيلة، زد على ذلك أن عموم الجهة محكومة بمنطق الزبونية و المحسوبية بجميع تمظهراتها في تسيير الشأن الجهوي.

و أضاف آخرون في تقييمهم لواقع الجهة، أن الجهة و بحكم معطيات تاريخية أصبحت مجالا خصبا و متسامحا مع الفساد، و الذي أصبحت معه ثقافة الإفلات من العقاب أبرز المظاهر التي عنونت كل مسار الجهة عبر تاريخها حيث نادراً ما تتم محاسبة المسؤولين عن الإختلالات الجسيمة التي عاشتها المنطقة و تفجرت بصددها العديد من الملفات ، رغم صدور تقارير مؤسسات رسمية تؤكد سوء التدبير أو تبديد المال العام.

ويؤكد متتبعون أن غياب المحاسبة الحقيقية شجّع على توسع دائرة الفساد، بل وحوّل بعض المجالس إلى فضاءات لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية، بدل أن تكون آليات لخدمة المواطن، وتحقيق التنمية المستدامة.

في ظل هذا الواقع، تتصاعد أصوات المجتمع المدني وساكنة الجهة، مطالبة بإصلاح عميق في بنية الحكامة المحلية، وبتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ينص عليه دستور 2011؛ كما تم التشديد على ضرورة تدخل الدولة لإعادة هيكلة المشاريع التنموية، وتتبع صرف الميزانيات، وتحصين المؤسسات من الفساد والتلاعبات.

و كخلاصات أولية يمكن القول أن جهة درعة تافيلالت، بتاريخها العريق وخيراتها الكبيرة، تستحق أكثر بكثير مما تتلقاه اليوم؛ و أن الفساد السياسي ليس فقط عائقًا أمام التنمية، بل هو تهديد مباشر لأمن وكرامة المواطن، ولحقه في العيش الكريم داخل منطقته؛ و أنه ما لم يتم التصدي لهذا الورم، فستظل الجهة رهينة للتخلف والتهميش، رغم كل ما تتوفر عليه من مؤهلات.

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى