الرشيديةمنبر الجهة8

بناوي يكتب…فصل المقال مابين تعليم عمومي أصيل وتعليم خصوصي دخيل

بناوي عبد الرحيم

كانت المدرسة العمومية إلى وقت قريب مشتلا للأطر الوطنية الرائدة في شعب العلوم و الآداب فأنجبت المهندسين و الأطباء و الأدباء و الشعراء و المفكرين و الفنانين ووفرت الكافي والمؤهل من الأطر الإدارية و السياسية و الدبلوماسية التي تسير مغرب الأمس واليوم كما أنتجت الفلاح و الصانع والصائغ و النجار و البناء ومختلف المهن التي احتاجها سوق الشغل،وكانت المدارس الخصوصية الأولى تستقطب المكررين والمفصولين و المتعثرين في دراستهم بالتعليم العمومي وكانت لهم ملاذا وفرصة ثانية لتدارك تدريسهم وتعلمهم.

و نظرا لكون الدولة أصبحت تنظر إلى قطاع التعليم بعين غير راضية و تعتبره قطاعا مكلفا يزيد من النفقات العمومية و يثقل كاهل ميزانية الدولة دون إنتاج في نظر مسؤولينا الذين لا يقدرون قيمة العلم و لا يعلمون تبعات الجهل ،بدأت السياسات التعليمية المتعاقبة تسعى إلى خوصصة التعليم و إسقاط مجانيته تدريجيا و بيع خدمته و راهنت على أن يضطلع التعليم الخصوصي بالمغرب بدوره التربوي إلى جانب العمومي، و هكذا طمح الميثاق الوطني للتربية والتكوين أن تبلغ مساهمة العرض المدرسي الخصوصي نسبة الثلث في منظوتنا التعليمية، فشجعت الدولة الاستثمار في هذا المجال وسخرت الإمكانيات ويسرت القروض ووضعت الأطر لخدمة المقاولة التعليمية في التأطير والتوجيه والتخطيط والمراقبة.


وقد لجأت العديد من الأسر المغربية أمام اهتزاز الثقة في المدرسة العمومية وضعف تجهيزاتها وهشاشة بنياتها وتنامي الهجوم الممنهج عليها وتبخيس أدوارها وغياب الأمن بمحيطها إلى تسجيل أبنائها في مدارس خصوصية خالتها بديلا ذا جودة وفضاء آمنا لفلذات أكبادها ومؤسسات توفر النقل والإطعام وتعلم اللغات الحية وتنشط الحياة المدرسية وتكسب متعلميها ملكات ومهارات لاتوفرها مدارسنا العمومية، فمال الناس مجبرين أو مختارين أو متباهين إلى تدريس أبنائهم في مدارس خصوصية أغلبها ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب،ناسين أو متناسين أن الدولة مطالبة بتوفير مقعد إلزامي لكل تلميذ وتوفير تعليم عمومي مجاني ذي جودة وأن رواد المدرسة وذويهم ملزمون باحترام المدرسة العمومية وتوقير أطرها وحفظ تجهيزاتها والثقة فيها ومساهمة الجميع في النهوض والرقي بها وتجويد خدماتها.


لقدكشفت جائحة كورونا أن الثقة العمياء التي وضعتها الأسرة المغربية في بعض المدارس الخصوصية لاحتضان وتمدرس أبنائها وبناتها لم تكن في محلها إطلاقا، وقد عرى التعليم عن بعد عيوبها وأبان عن المستوى الهزيل لخدمات هذه المؤسسات التي استنزفت جيوب القادرين وغير القادرين من الآباء والأمهات والأولياء على دفع الأقساط الشهرية، وهكذا وصلتنا الأخطاء اللغوية والنحوية والإملائية والتراكيبة والصرفية عبر هواتفنا التي سلمناها لأبنائنا مجبرين و أضعفت أبصارهم وأدمنوا عليها طيلة فترات الحجر ليتلقوا قواعد خاطئة في الرياضيات ودروس غير مفهومة في التفتح وتمارين أنهكتهم أكثر مما أفادتهم من مدرسين يفتقد أغلبهم إلى أدنى مستويات التعلم والمعرفة بمادة حصلوا فيها على الإجازة، كما تفاجأنا بالفضاضة والغلظة لإداريات وإداريين غير مؤهلين ولايمتلكون القدرة على التواصل أو الحوار او الإقناع أو الاقتناع بل يدافعون بشراسة عن دكاكينهم ومورد رزقهم، واكتشفنا كذلك مستثمرين جشعين ونهمين كان همهم تكديس الثروات وامتصاص دماء الزبناء شعارهم في ذلك الربح أولا وأخيرا، ولم يكن تعليم أبنائنا لديهم أولوية لأنهم لم يصرفوا سنتيما على تأهيل وتكوين أطرهم ولم يرفعوا من أجورهم الزهيدة التي لاتقترب من الحد الأدنى للأجور ولم يصرحوا بأغلب مستخدميهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لذلك نجد أحيانا لهؤلاء المدرسين أعذارا على أدائهم الضحل.


الآن وقد حصحص الحق وتبين أن التعليم الخصوصي كذبة أطلقها و روجها أعداء المدرسة العمومية واستغلها الجشعون الذين لا يأبهون بالعلاقة التربوية بين المدرسة من جهة والمتمدرسين وأوليائهم من جهة ثانية و أعربوا عن نزعتهم البرغماتية المادية الصرفة.قلنا كذبةصدقها أمثالنا من المنبهرين بالألوان الزاهية لواجهات المدارس الخصوصية والتي اكتشفنا أن أغلبها هدرللزمن المدرسي ومضيعة للمال والبنين.


وأمام هذا الوضع الذي يعصف بمصير الأجيال فإن الأسر المغربية مطالبة وأكثر من أي وقت فات بإعادة النظر في أماكن وأنماط تدريس أبنائها وعليها أن تثق في المدرسة العمومية وأهلية أطرها وسمو مستواهم العلمي والبيداغوجي، فهي الملاذ التربوي والحاضن الشرعي للناشئة، كما أن الدولة مطالبة بأن تراجع سياستها التعليمية وأن تولي كامل عنايتها للنهوض بالمدرسة العمومية وتحسين أوضاع العاملين بها وتوسيع العرض المدرسي العمومي الذي سيعرف نزوحا كبيرا من الخاص إلى العام مابعد كورونا وخلال الموسم التربوي المقبل على الخصوص.

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى