أزمة طبية عميقة تكشف هشاشة الخدمات الصحية بالرشيدية

يشير الوضع الصحي في جهة درعة تافيلالت، وبالأخص في الرشيدية، إلى اختلال جذري في توزيع الأطباء يفضح تفاوتاً صارخاً بين المدن الكبرى والصغرى، وبين الحواضر والمناطق شبه الجبلية والصحراوية.
الرشيدية، التي تعتبر قلب الإقليم وأكثر مدنه حيوية، تضم 95 طبيباً في القطاع العمومي، وهو رقم يعكس نقصاً حاداً مقارنة بالمدن الكبرى مثل الرباط و الدار البيضاء، حيث يتجاوز عدد الأطباء هناك الآلاف، وهو ما يجعل الفجوة الصحية واضحة لا يمكن تجاهلها.
هذا النقص في الأطر الطبية لا يقتصر على المدن الكبيرة فحسب، بل يمتد أيضاً إلى مقارنة الرشيدية بأقاليم أقل حضراً مثل ورزازات أو ميدلت، حيث تحتل الرشيدية المرتبة الأفضل نسبياً بفضل 95 طبيباً، بينما لا يتجاوز العدد في ورزازات 64 طبيباً، وميدلت 42، وتنغير 27 فقط، إلا أن هذا التوازن النسبي لا يخفف من هشاشة الوضع الصحي في المدينة، التي تعاني من ضغط كبير على المستشفى الإقليمي وغياب عدد من التخصصات الطبية الحيوية، مما يدفع السكان إلى الاعتماد على مراكش لتلقي الرعاية اللازمة للحالات المتوسطة والمعقدة.
إن هذا التفاوت يعكس خللاً منهجياً في السياسات الصحية العمومية، إذ تم التركيز على تعزيز الطواقم الطبية بالمحاور الحضرية الكبرى على حساب المناطق الجبلية وشبه الصحراوية، على الرغم من اتساع مجالها الترابي وصعوبة تضاريسها وحاجتها الملحة إلى الخدمات الصحية الأساسية.
في الرشيدية، هذا الخصاص يترجم إلى واقع ملموس: ضغط متزايد على المراكز الصحية، وتأخر في الاستجابة الطبية، وضعف تغطية التخصصات الضرورية، وهو ما يجعل المواطنين في مواجهة مباشرة مع هشاشة النظام الصحي.
الأرقام هنا ليست مجرد إحصاءات تقنية، بل تعبير صريح عن غياب العدالة الصحية المجالية. فالرشيدية، رغم مكانتها الإقليمية والديمغرافية، لا تزال تعاني من حرمان من الموارد الأساسية للتأطير الطبي، ما يعكس فجوة بين ما يمكن تسميته بـ”المغرب النافع” والمناطق المهمشة.
ويطرح هذا الواقع أسئلة جوهرية حول فعالية السياسات الصحية، ويستدعي مراجعة شاملة لتوزيع الموارد الطبية، بما يضمن الحق الدستوري في الولوج إلى العلاج لكل المواطنين دون تمييز أو تفاوت.






