إدارة جريدة “الجهة8” الإلكترونية.. افتتاحية أولى و أخيرة
لا يخفى على الجميع، الدور الأساس الذي أصبح يلعبه الإعلام، خصوصا الالكتروني منه، في تشكيل الرأي العام وفي التأثير على السياسات العمومية المركزية والجهوية والمحلية، عبر كشف نقاط الضعف في مخططات التنمية واقتراح البدائل وتشجيع الابداع، وفي توسيع مجال حرية الابتكار، وكذا دمقرطة الحق في الحصول على المعلومة سواء بالنسبة للصحفي المهني او لجمهور القراء.
ولم تكن الجهات بالمغرب، في منأى عن هذا التحول ومعه الهيئات المنتخبة والمصالح اللاممركزة للدولة، مما فرض تعاملا خاصا أساسه الشفافية وتعزيز الاستفادة من الحقوق الدستورية الثقافية على وجه التحديد، حيث شهد الاعلام الجهوي دينامية غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، مع انتشار واختلاف التجارب الإعلامية المحلية، وتعدد الخطوط التحريرية والاهتمامات الأساسية لهذا الاعلام الجهوي.
من هذا المنطلق، رأت جريدة “الجهة8” الالكترونية، التي تدخل سنتها الأولى، منذ تأسيسها، النور و أصبحت، ضافة نوعية لسلطة الاعلام الجهوي في الكشف عن النواقص التنموية بمختلف القطاعات و بمختلف التجمعات عبر الأقاليم الخمسة، على الأقل في فهمها السليم للأدوار الأساسية للإعلام و الصحافة، و أخذت على عاتقها العمل على المستوى الجهوي ككل، كأول جريدة الكترونية تهتم بما هو جهوي بدرعة تافيلالت و تنتج فقط المواد الصحفية التي ترتبط بمشاكل و إنجازات المجال الجغرافي بدرعة تافيلالت، وهي تحمل في اسمها ما يؤهلها للقيام بهذا الدور الكبير في نظر مؤسسيها.
إن التفكير في تأسيس جريدة تعنى بشؤون جهة درعة تافيلالت، لم يكن وليد الصدفة او الاعتباطية، بل كان مشروعا مفكرا فيه، تحكمه المهنية والأخلاق قبل كل شيء، شكله شكل كل مشروع اقتصادي يهدف الى تقديم خدمة عمومية لعموم الجمهور ويستمد استمراريته الاقتصادية من مصادر تمويل حكومية و غير حكومية مشروعة، بل آثر مؤسسيها على أنفسهم الاستثمار في هذا المشروع الإعلامي، دون وجود أية بوادر للنجاح الاقتصادي بحكم خصوصية الجهة في علاقتها مع مجال الاعلام الذي لم يرى قبولا بعد من طرف المؤسسات العمومية و مؤسسات الدولة و الجماعات الترابية و المسؤولين باختلاف درجاتهم.
إن الجهة8، قفزة نوعية إعلامية بدرعة تافيلالت، بحكم الواقع والتجربة و الإنجازات، على عكس باقي التجارب الإعلامية التي نحترمها و نقدرها، إلا أنها لم تستطع أن تبقَ جهوية بشكل خالص، و أن تلامس المعيش اليومي للإنسان و أن تكشف عما يعانيه المجال، وفي الغالب تحكمها خطوط إما اقتصادية أو إدارية تمنعها من الاضطلاع بمهام الصحافة والاعلام في مفهومهما الكوني الشامل.
لقد ألفت الساحة الإعلامية بدرعة تافيلالت، إعلاما يعتمد على النسخ و اللصق و على “النشر” و في أحسن الأحوال على “انتاج” مواد صحفية اشهارية دون ان تكشف عن ذلك، او مواد تبجيلية تعرض إنجازات مشروع ما او شخص ما، دون ان تأخذ الأدوار الأساسية المفروضة كونيا، محمل الجد و تحاول تطبيقها في انتاجاتها.
لقد كانت خلال الخمس سنوات الأخيرة على الأقل، الصحف بدرعة تافيلالت إما موالية لجهة ضد أخرى، وتستمر على هذا الحال حتى تتغير ظروف هذا الاصطفاف، من انتفاء مصالح او تغير مناصب، و خير دليل ما عاشته الجهة من تخصص العديد من الجرائد الجهوية في موضوع ما، حيث كانت “تنشر” تبعا لوضعية الاصطفاف الجماعي التي حكمتها.
لقد تمكنت الجهة8 من كسر هذه القاعدة، قاعدة الخطوط الحمراء الاقتصادية او الإدارية، و عملت على اتخاذ نفس المسافة من الجميع، من الإدارة ومن أصحاب الأموال الذين يمكن أن تربطهم علاقة تجارية مع الجريدة، إلا أنها جوبهت بمقاومة شرسة و متتالية و مستمرة و ضروس ضدها، وضد هذا التوجه، وضد الاعلام المهني والصادق كما نتخيله في الأوساط الديمقراطية.
موقع الجهة 8، استطاع بفضل طاقمه و رؤية اشتغاله، أن يتصدر المشهد الاعلامي بجهة درعة تافيلالت، منذ الشهر الأول من عمره، و سجل تفاعلا جماهيريا تجاوز كل المواقع الجهوية عبر كل منصاته التواصلية، كما تفرد بالمعطيات الحصرية بمجموعة من المحطات الكبرى كانتخابات شتنبر الماضي، و الأحداث العرضية التي تعرفها الجهة، و سجل طيلة مدة اشتغاله 0 مادة صحفية غير جهوية، كما استطاع الموقع ان يكسب ثقة العديد من المؤسسات التي تحترم الصحافة الجادة و تحترم حق الصحفي في الحصول على المعلومة وحق المواطن في تلقي المعلومة الصحيحة، كما حاور العديد من المسؤولين في مختلف القطاعات.
بلغة الأرقام؛ وصل الموقع حاليا إلى معدل 45 زائر في الدقيقة الواحدة في اوقات الذروة مع مدة بقاء داخل الموقع تبلغ الدقيقتين و نصف، ومعدل زيارة يومي يقدر ب 21 ألف زائر، من مختلف الدول (المغرب، فرنسا، أسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا و كندا) بنسب مهمة جدا، كما دخل الموقع في شراكات مؤسساتية من اجل إنجاز خدمات إعلامية و صحفية مع مؤسسات إعلامية أخرى.
إن الجهة8، وهي تدخل سنتها الأولى، أن توجه مجموعة رسائل إلى المتفاعلين مع مكون الإعلام بجهة درعة تافيلالت.
إلى السياسيين :
الجهة8 لم تكن يوما، من تأسيس أي حزب سياسي، أو من أي منتم لحزب سياسي ما، و لم تكن يوما قريبة أكثر مما تلزمها أخلاقيات المهنة من أي لون سياسي، كيفما كان نوعه؛ القائمون على “الجهة8” كان يعون جيدا الدور الذي يمكن للاحزاب لعبه من قدرة على اقبار هذه التجربة و في محاولة تشتيتها، و إنهاءها بالطريقة التي يريدون، لا لشيء، فقط لأنها أخذت على عاتقها كشف الحقيقة و كشف ما يجري داخل الاحزاب خصوصا خلال الحملات الانتخابية وما تلتها من تحالفات و معارضات وما الى ذلك، لكنها وقفت صامدة أمام كل هذه الموجات التي لم يدخر خصومها السياسيين، الذين يرون في كشف الحقيقة إعلانا للخصام، جهدا في الإطاحة بها و سحبها إلى القاع.
لم نكن يوما أندادا للسياسيين ولا للأحزاب السياسية، جئنا برؤية إعلامية جديدة تخدم التنمية من منطلق الشفافية و توفير المعلومة و ترك مهام تشكيل الراي العام للمعطيات التي تصنع و التي نُعالجها بكل حيادية و تجرد.
إلى المؤسسات و الهيئات المنتخبة:
لقد عملنا على مواكبة عمليات انتخاب الهيئات والمجالس المنتخبة بكامل ربوع جهة درعة تافيلالت، وعلى رأسها مجلس الجهة، ورافقنا هذه الهيئات والمؤسسات في كل محطات تشكيلها و تأسيسها و أنشطتها طيلة سنة كاملة، مع تقدمنا للجميع بمقترحات شراكة اعلامية، تروم ضمان ترويج الانشطة والمشاريع والبرامج و تحقيق القرب من المواطنين، في التزام تام بما تمليه علينا اخلاق الصحافة والعمل المهني المستقل.
إن الشراكة مع الهيئات المنتخبة على وجه التحديد لا تعني بالضرورة تلميع الصورة و غض الطرف عن التجاوزات و الخروقات والاختلالات بجميع أصنافها، بل هو التزام خدماتي مع مؤسسة ما، من اجل انجاز خدمات محددة في عقد شراكة موقع من طرفين، دون ان يعني هذا وجود مقابل الصمت او غض الطرف، بل يعني العمل لصالح المؤسسة في مجال معين، مع الاحتفاظ بحق التطرق لكل ما من شأنه ان يهم المواطنين وله علاقة بتلك المؤسسة/الهيئة، وهذا ما يعني الاستقلالية والمهنية التي نادت بها “الجهة8” وما زالت.
إلى الإدارة الترابية :
إن من مهام الادارة الترابية ان تسهل ولوج الصحافة الى مصادر الخبر، و تزويدها المستمر بكل المستجدات التي تدخل في صلب اهتماماتها، و إنها لمدعوة للتعامل الوثيق مع رجال الاعلام بالمسافة نفسها و الشكل نفسه و القرب او البعد نفسه، لا يعقل أن تحوز الإدارة الترابية لائحة تضم أسماء أشخاص لم يكملوا سنتهم الدراسية الخامسة، و آخرون يحملون ميكرو جرائد مغمورة لا يعرفها أحد، و آخرون يطلقون على أنفسهم “مراسلون” ويشترون الاعتمادات الصحفية السنوية بمقابل مادي، و يهرعون الى كل المسؤولين باختلاف رتبهم ودرجاتهم من اجل تسول ما بين 50 الى 300 درهم، نظير تغطيتهم للانشطة او ادعاء تلميعهم صورة ذلك المسؤول، و استدعاءهم دائما في محطات التغطية الصحفية؛ هذا لم يكن يوما من مهام الإدارة الترابية، دعمها و تشجيعها لكل هذه الأنواع من منتحلي الصفة و من المتطفلين على الميدان.
إذا لم تكن الادارة الترابية، قادرة على تنقية الميدان و التعامل بمهنية مع المهنيين فقط، الذين يعترف بهم المجلس الوطني للصحافة، الهيئة القانونية الوحيدة بالمملكة المغربية التي تسلم البطائق المهنية للصحفيين المهنيين، فعلى الأقل عليها أن تقف على المسافة نفسها و ألا تزيد من مصائب هذا المجال داخل الجهة، بتعاملها الإنتقائي مع وسائل الاعلام و قربها من المراسلين و منتحلي الصفة الذين يعيدون فقط نشر ما يتم تزويدهم به من معطيات تلمع الصور و تقول “العام زين”، و تهمش الإعلام المهني و كل من يحمل بطاقة تثبت مهنيته، لأنه قد يكشف “الحقيقة” التي لا يراد لها أن تكشف في أحيان كثيرة.
إلى الأجهزة التي تسهر على حماية أمن المواطنين:
الصحافة كما نتصورها و نعتقد أن جميع المهنيين يتصورونها هكذا، أنها تعمل الى جنب السلطة التنفيذية، وليست عدوة لها، أو منافسا لها، أو تهديدا قد يشكل إلغاءً لها، بل مكملا، و معينا لها على القيام بعملها على أكمل وجه، في حماية أرواح وممتلكات المواطنين.
الجهة8 في غير ما مرة، تلقت تنبيهات جدية، تارة، من عناصر يفترض انتماؤهم الى السلطة التنفيذية، و طلبات من اجل تزويدها بما يثبت ما نكشفه وما ننشره على جريدتنا، تارة أخرى، ضدا في التشريعات و القوانين التي تؤطر مهنتنا و تحمي مصادرنا التي نعتمد عليها في القيام بعملنا كاملا، فحسب مقتضيات مدونة الصحافة والنشر فالصحفي ملزم بحماية مصادرنا معنوية كانت ام ذاتية، ولن يكشف عنها إلا في حالات حددها القانون بدقة، و أمام وكيل صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، و إننا نشتغل وفق القوانين التي تنظم هذه المهنة، و عملنا نحتفظ به لأنفسنا، ولا يمكننا مشاركة مخرجاته مع أي كان.
إلى القضاء و اقسامه:
إن المفروض في علاقة القضاء بالإعلام، أن يكون التفاعل المستمر والدائم، المبني على احترام السلط، ليبقى القضاء الضامن لاحترام ممارسة مهنة الصحافة بمهنيتها، التي تكون فيها هذه الأخيرة مساعدة للقضاء و موفرة له ارضية الخروقات والانتهاكات و الجرائم و ضياع الحقوق، حتى يستطيع تحريك المتابعة والتحقيق بشأنها، سواء بإدخال الخارجين عن القانون السجن أو إدخال كاشفي هذه القضايا السجن، حماية لهم من بطش العابثين بالقانون، وهو ما يحفز الثقة لدى مجموع المواطنين.
الجهة8 كانت لها تجربة، ذاع صيتها و تجاوزت الحدود الوطنية، عندما كشفت عن تفاصيل أشهر قضية خلال هذه السنة بالجهة، و تمت متابعتها بتهمة نشر اخبار كاذبة، وهي في الواقع صحيحة، وكانت أجواء اختبارية لطبيعة العلاقة ما بين السلطة التنفيذية و القضائية و الإعلام؛ وبالرغم مما شابها، فإنها تبقى تجربة مضت واقعا و مازالت مسطريا، بعللها و محاسنها.
إننا نعتبر أن القضاء عليه هو الآخر أن يبقَ على مسافة أمان واضحة و عادية ما بين جميع الفاعلين، خصوصا فيما يتعلق بالحريات العامة و ممارسة حقوق التعبير التي تدخل الصحافة ضمنها، و عليه ألا يلعب دور “المربي” بالكلام، بل عليه أن يشجع التعددية الاعلامية و أن يحفظ حقوق الصحفي المهني، و ألا ينزع الصفة من أصحابها و يعطي الصفة لمن ليست له، و يعمل بازوداجية غير معقولة، عبر استغلال من له صفة مهنية سابقة لاعلاقة لها بالاعلام، من اجل القيام بما يدخل في اطار صفة صحفي مهني، أمام الملأ.
في النهاية :
لكل هذه الحيثيات و الدوافع و الأسباب الموضوعية و الذاتية و الاكراهات والمعيقات و العثرات و التحرشات، تشكر جريدة “الجهة8″ كل المتعاونين معها الذين ٱمنوا بخطها التحريري و كل من وثق يوما في موادها و في نزاهة و اصرار القائمين عليها، وكل من كان مصدرا لها و تعاون معها، وستبقى”الجهة8” تجربة اعلامية، عملت على “تربية” كل من لا يحترم الحقيقة ولا يتعامل بحياد مع “الصحافة”، عبر مزاولتها الصحافة باستقلالية و مهنية و حرفية لم تعهدها الجهة ولا المنطقة.