محمد العزاوي يكتب…لماذا تُعاقب جهات تُعاني أصلاً بالجفاف، الفيضانات، وغياب البنية التحتية، بمزيد من الأعباء بدل حقها في التنمية؟

محمد العزاوي
في الوقت الذي تحلم فيه الجهات المحتضنة لكأس العالم بتجميل صورتها أمام العالم، تُنقل إلى الجنوب الشرقي كميات من البشر كما لو كانوا أعباءً غير مرغوب فيها. المهاجرون الأفارقة غير النظاميين يُدفعون إلى تنغير والرشيدية، ليس لأن فيها حلولاً بل لأنها بعيدة عن الأنظار. ومعهم يُعاد المسؤول المرتشي أو غير الكفء، وكأن هذه المناطق صارت مفرغة أخلاقية لا محاسبة فيها ولا مساءلة.
لماذا يُعاقب الفاسد بإرساله إلى جهات مهمشة؟ لماذا أ تُنقل الأضرار البشرية عوض نقل المشاريع؟ لماذا تُعاقب جهات تُعاني أصلاً بالجفاف، الفيضانات، وغياب البنية التحتية، بمزيد من الأعباء بدل حقها في التنمية؟ المواطن يهاجر من الهامش إلى المركز بحثاً عن الكرامة، في حين يُجبر المهاجرون غير النظاميين والمسؤولون الفاسدون على العودة إلى هامش الهامش.
هذه سياسة لا تليق بدستور يضمن العدالة الاجتماعية والمجالية، ولا بخطابات ملكية تدعو إلى توزيع الثروة والتنمية المستدامة بين كل جهات المملكة. فهل تُطبق هذه التوجيهات في الواقع؟ وهل للمواطن في تنغير و الرشيدية وجهة درعة تافيلالت بصفة عامة حقٌ في العدالة والكرامة كباقي المغاربة؟
أين المنتخبون؟ أين ممثلو الجهة في البرلمان؟ أين صوت المستشارين؟ لا نسمع إلا الصمت، وكأن التهميش صار قدراً لا يرد.
إن تهجير الضرر بدل تهجير التنمية هو شكل جديد من التمييز المجالي، يرسخ الفوارق ويعمق الإحساس بالظلم. بل إنه لا يختلف في أثره عن الكوارث الطبيعية: يُدمر البيئة الاجتماعية، يُقوض الثقة، ويزرع الإحباط. ثم ماذا عن الجهات التي “يُفرغ” منها المهاجرون؟ هل الهدف هو تلميع وجهها قبل المونديال؟
المغرب لا يُبنى على التجميل المؤقت، بل على مشاريع حقيقية تربط المركز بالهامش، وتُعيد الاعتبار للمناطق المنسية. والمواطن لا يطلب المستحيل، بل فقط العدالة، والمساواة، والتنمية.
دعوة للمجتمع المدني، للمثقفين، للمنتخبين، ولكل غيور: الصوت الآن لا بد أن يرتفع. لا نريد جهات تُستخدم كمخازن للأزمات، بل كمحركات للتنمية.
الهامش ليس عبئاً… الهامش ثروة إذا أُحسن التعامل معها. فلنُغير المعادلة.
لا أحد يعارض حق الإنسان في الهجرة والبحث عن الأمان. لكن حين يُحوَّل التعايش إلى استغلال، وتُفرض قرارات من فوق، دون إشراك الساكنة أو احترام خصوصيات المنطقة، يصبح الأمر غير أخلاقي وغير عادل. التعايش يجب أن يكون ثمرة تدبير مشترك، ورؤية منصفة، لا سياسة تحميل وتفريغ.