الطاهري يكتب ..أمواج الإنسانية تفيض من قلوب “” الرحل “”
كلما غصت في أحضان الطبيعة والجبال و ابتعدت عن الحضارة و التلوث، تجد ضالتك هناك ، لا تلوث و لا ضجيج ، طبيعة ساحرة و هدوء يسود المكان، وحدها أصوات حناجر ترتد بين الجبال والأدوية تستعد للإنقراض و النسيان بعد وصول الهاتف وشبكاته المتعددة، هناك لا يوجد تلوث، وأقصد في ذلك تلوث العقول والقلوب، هنا الجود و الكرم وحسن الضيافة ، فالرحل لا ينظرون إلى ملابسك وتسريحتك و هيأتك كما في المدن ،بل تتواصل القلوب والأفئدة في ما بينها و لا تترك للعين فرصة النظر في الكماليات ، فعندما تصل إلى الجبال فلا وجود للكماليات هناك ، لا متاجر و لا صالونات و لا مقاهي ، و حده الطعام والدفء والآمان هم العملة ، وكل واحد يحتاج للمساعدة كيف ما كانت قيمته وطبقته في المجتمع لأن طبيعة المنطقة و تضاريسها و جوها المتقلب تحتم على الآخر أن يبقى صامدا بمعية الجماعة و لا يستطيع أن يصمد لوحده، لدى فإن القلوب تتعاطف في مابينها و تحن لتقديم المساعدة بدون شكر ولا مقابل، ويصبح بذلك ثراثا وتقليدا معنويا يورث في جينات سكان الجبال.
وعلى غرار ما أبانه الراعيين امحمد و إسماعيل في جبال جماعة تلمي بإقليم تنغير، هناك العديد من الرحل منتشرين في جبال الأطلس الكبير و المتوسط والصغير و هضاب زاكورة و طاطا الى غير ذلك من أرض الله الواسعة، يتعاملون معاملة هاذين الراعيين منذ الأزل لأن قلوب ” الرحل” تفيض إنسانية، فالكرم من خصالهم و حسن الضيافة واجب عليهم حسب اعتقادهم فلا يمكن فأي حال من الأحوال أن يبيع هذا الإرث بدريهمات قليلة أو كثيرة لأن هذا الانسان حر بطبيعته و يحافظ على كرامته حتى مماته و يترك هو الآخر وصيته محفورة في قلوب صغاره.
“لا نبيع الخبز ” أو بالأحرى لا نبيع الكرامة والإنسانية رغم قساوة المناخ و التضاريس و المعيشة ، هكذا كان رد “الرحل” لكل العالم عن طريق امحمد وإسماعيل و هكذا علت راية الإنسانية من أعلى قمم تنغير، و انتشرت انتشار النار في الهشيم عبر وسائل التواصل الإجتماعي لتغمر المعمورة كلها. فإذا لاحظنا جميعا أن “”الرحل”” يتميزون بالكرم وحسن الضيافة كما قلنا سلفا، فعلى النقيض أنه كلما تقترب من المدن والحواضر تلاحظ أن هذا الكرم ينقص تدريجيا حتى ينعدم ، وخير دليل على ذلك أن بعض القرى تغير تعامل سكانها في السنوات الأخيرة خصوصا بعد تطور وسائل الإعلام و الإتصال فتجد الناس يبدؤون في استئجار المنازل بعدما كانوا يعطونها لكل واحد أراد السكن والانفصال مع أهله أو أستاذ و ممرض جاءت به الأقدار إلى هناك، ثم تلثها ظواهر أخرى تبين أن هناك خللا ما في النظام الإجتماعي الذي يتجه إلى التحضر في الأفعال و التلوث في العقول أو أن الإنسان يخلق معطاء ، حتى يعلمه البشر الحذر؟