
في خطوة وُصفت بأنها “استعراضية وغير ذات أولوية”، نظّمت مساء أمس الأحد، الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية وكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية تحت إشراف رئاسة جامعة مولاي إسماعيل، حفل تخرج والتميز، حضره عدد من الشخصيات الرسمية، على رأسهم رئيس جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، ورئيس مجلس جهة درعة تافيلالت، وعمداء الكليات، وعدد من المنتخبين، بينما غاب ممثل ولاية الجهة، في إشارة فسّرها البعض بأنها موقف ضمني من طريقة تنظيم هذا الحدث.
وأثار تنظيم هذا الحدث الإحتفالي موجة من الغضب والانتقادات من داخل أسوار المؤسستين وخارجهما، سواء من قبل الأساتذة، أو النقابات، أو الطلبة أنفسهم، الذين عبّروا عن استيائهم الكبير مما وصفوه بـ”سوء التنظيم وتجاهل الأولويات الحقيقية للكلية”.
تنظيم قبل الإعلان عن النتائج… وغياب الشهادات
أولى علامات الاستفهام التي طرحت حول الحفل، هو كونه نُظّم قبل الإعلان عن النتائج الرسمية للدورة الجامعية، ما دفع بعدد من المتتبعين إلى التساؤل حول مشروعية هذا ” الاحتفاء و التخرج والتكريم”، في وقت لم يحصل فيه الطلبة بعد على نقطهم النهائية أو شواهدهم الجامعية، الأمر الذي اعتبره كثيرون استهتارًا بالمصداقية الأكاديمية، ومظهرًا من مظاهر التخبط الإداري الذي تعانيه الكلية.
مقاطعة أساتذة وطلبة… وتنديد نقابي
سبق للمكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي بالكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية أن أصدر بيانا سجل من خلاله تفاجأه بالإعلان عن تنظيم حفل تخرج لفائدة الطلبة، في الوقت الذي كانت فيه مكونات الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية تنتظر ترجمة الوعود المتكررة التي قطعتها رئاسة جامعة مولاي إسماعيل إلى إجراءات عملية تعكس جدية الالتزام تجاه هذه المؤسسة.
و اعتبر البيان -الذي توصلت جريدة “الجهة الثامنة” على نسخة منه- أن الإعلان عن تنظيم حفل تخرج لفائدة الطلبة هي خطوة ذات طابع استعراضي لا يعكس الواقع الفعلي المهترئ للكلية التي تعاني من هشاشة في البنيات التحتية وافتقار إلى الحد الأدنى من مقومات العمل البيداغوجي والبحثي الجاد.
وأكد بيان المكتب المحلي للنقابة الوطنية للتعليم العالي تتبعه لهذا التوجه الذي يفتقر إلى الأولوية المؤسساتية، فإنه يذكر رئاسة الجامعة بأن مجمل الوعود التي أطلقت منذ توليها المسؤولية قبل سنتين ما تزال دون تنفيذ، ولم تترجم إلى أي منجز فعلي يواكب تطلعات الأطر التربوية والإدارية وكذا الطلبة.
وذكر البيان بالإلتزامات السابقة لرئاسة الجامعة، والمتعلقة بتوفير ممرات مغطاة لحماية مرتادي الكلية من الظروف المناخية القاسية، تجهيز قاعات دراسية تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة، تأهيل مكاتب الأساتذة في ظل الخصاص والاكتظاظ المسجل، إحداث قاعات للإعلاميات تستجيب لمتطلبات التكوين الرقمي الحديث، مراجعة الميزانية المخصصة للكلية والتي ظلت جامدة رغم النمو المضطرد في عدد الطلبة، تخصيص اعتمادات المراكز التميز وتجهيزها بالمعدات الضرورية، إنجاز مشروع مركز 212 بشراكة مع كلية العلوم والتقنيات، استكمال بناء المدرج المتوقف منذ سنوات، التسريع في وثيرة أشغال بناء قاعة المحاضرات، الإهتمام بمشروع النجاعة الطاقية بالكلية، تفعيل ميزانية الاستثمار المخصصة لهذه السنة، تفعيل مشروع إعادة هيكلة الكلية وتقسيمها إلى ثلاث مؤسسات جامعية متخصصة، و كذا التسريع بإجراءات توقيع التراخيص الإدارية الخاصة بالسادة الأساتذة ضمانا لحسن سير مهامهم البيداغوجية والعلمية.
و أضاف البيان ذاته، أنه وبدل الوفاء بهذه الالتزامات الجوهرية، اختارت الرئاسة توجيه موارد – مهما كانت محدودة -نحو أنشطة ذات طابع فلكلوري لا تسهم في الارتقاء بجودة التكوين ولا في تحسين شروط البحث العلمي؛ علما أن السنة الجامعية الماضية عرفت تنظيم حفل مماثل لحفل التخرج المزمع، وقد ترتب عنه استنزاف جزء مهم من ميزانية الكلية، دون أن ينعكس ذلك بأي شكل على تحسين الوضعية المادية أو البيداغوجية داخل المؤسسة، وكان من الأجدر توجيه تلك الاعتمادات إلى معالجة الاختلالات البنيوية، وصيانة المرافق المهترئة التي ما زالت تعيق السير العادي للعملية التعليمية وتثقل كاهل الأساتذة والطلبة على حد سواء.
وثمن بيان المكتب المحلي الجهود المتواصلة التي يبذلها الأساتذة في ظل هشاشة البنيات وقلة الإمكانيات، فإنه يحمل رئاسة الجامعة كامل المسؤولية عن هذا التدبير العشوائي والمفتقر إلى البوصلة الإستراتيجية، ويدعوها إلى العدول عن المقاربات الاحتفالية والانخراط الجاد في بلورة وتنفيذ برنامج عمل واضح، واقعي، وقابل للقياس، معلنا – المكتب المحلي- في ذات السياق رفضه القاطع لتنظيم حفل التخرج بصيغته الحالية ويدعو كافة الأستاذات والأساتذة إلى مقاطعة هذه المبادرة الرمزية التي لا تعكس أولويات المؤسسة، وذلك إلى حين الوفاء بالتزامات ملموسة تضع مصلحة الكلية وطلبتها وأطرها في صلب اهتمامات التدبير الجامعي.
و في ذات السياق أصدر المكتب المحلي للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بنفس الكلية بيانا حول عزم رئاسة الجامعة على تنظيم حفل ختامي للسنة الجامعية بالكلية من ميزانية تسيير الكلية الهزيلة أصلا، والتي لا تكاد تغطي نفقات التسيير العادية ، هذا في الوقت الذي اعتبر فيه البيان استمرار الكلية متعددة التخصصات بالرشيدية التخبط في مشاكل البطء والتلكؤ وتراكم الملفات العالقة، وضعف الانتظام والاستمرارية الإدارية، والتأخر الظاهر في التدبير الإداري والمالي والضعف والخصاص في البنية التحتية.
وأعلن بيان المكتب المحلي للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي رفضه لأية نفقات من أموال الكلية، دون قرار من مجلس المؤسسة ولجنة الميزانية المنبثقة عنه، ويعتبر كل تصرف خارج الهياكل المنتخبة خروجا عن القانون وتجاوزا للصلاحيات.
و دعا البيان ذاته مجلس المؤسسة إلى تحمل مسؤوليته في ترشيد النفقات وحسن تدبير ميزانية الكلية، وتوجيه الأموال لتغطية خصاص الكراسي والطاولات والمكيفات والعتاد الديداكتيكي وغيرها من الضروريات، و موجها الدعوة كذلك لإدارة الكلية إلى التعجيل بتسوية ملفات التسيير العالقة منذ عدة أشهر.
و في ذات السياق وجه المكتب المحلي للنقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي الدعوة لأساتذة الكلية إلى مقاطعة الحفل الختامي الذي لم يخرج من هياكل الكلية، والذي ستكون كلفته المالية على حساب التزامات تسيير الكلية ونفقاتها الحقيقية ، وفق مقاربة سلم أولويات منكوس، يغلب الدعاية والبروباغندا على شروط تحصيل البحث العلمي الرصين، محذرا الإدارة، كلية ورئاسة من التأثير السيء لتراكم الملفات وعدم الوفاء بعدد من الالتزامات المالية الداخلية، على الدخول الجامعي 2025 – 2026.
الطلبة يحتجون: “صرخة ألم وحرمان من الحقوق”
وفي سياق موازٍ، وجّه عدد من طلبة الكلية بلاغًا احتجاجيًا إلى وزارة التعليم العالي والجهات المسؤولة، عبّروا فيه عن غضبهم الشديد من التأخر المزمن في تسليم الشواهد الجامعية، الأمر الذي يحرمهم من الترشح لمباريات الماستر والمدارس العليا، ويضعهم في موقف ضعف أمام طلبة جامعات أخرى أكثر تنظيمًا.
وقال البلاغ الذي إطلعت جريدة “الجهة الثامنة” على نسخة منه، طلبة الكلية المتعددة التخصصات بالرشيدية يعيشون حالة من الغضب، ليس فقط بسبب ضياع فرصهم، بل بسبب التجاهل والصمت الذي يُقابل به مطالبهم العادلة، مؤكدين أن معاناتهم صارت مزمنة وتتجدد كل عام دون تغيير يُرجى…”
وطالب الطلبة في بلاغهم بـإصلاح جذري للإدارة وتسريع إجراءات تسليم الشواهد والنتائج، مؤكدين أن تأخر الوثائق الأكاديمية يسلبهم فرصًا ثمينة ويعمّق الإحساس بالإقصاء والتمييز.
رئيس الجامعة يرفض التعليق… وصمت مقلق
في المقابل، حاول طاقم جريدة “الجهة الثامنة” الحصول على إجابات من رئيس جامعة مولاي إسماعيل، أحمد موشطاشي، حول البيانات الصادرة من قلب الجامعة، و حول خلفيات تنظيم الحفل بالرغم من عدم حصول الطلبة على نقاطهم ولا شهادات نجاحهم، وكذا الاعتمادات المخصصة للحفل، غير أنه رفض التعليق بشكل قاطع وتجنب تقديم أي تصريح صحفي، في ما اعتبره البعض هروبًا من مواجهة الرأي العام وتحمّل المسؤولية.