منبر الجهة8

افتتاحية…الغرف المهنية… مستقبل غامض في زمن تغوّل الكبار وتراجع الحرفيين

مولاي الحسن الصوصي – مدير النشر

في زمنٍ تتسارع فيه التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أن الغرف المهنية — التي كانت لعقود طويلة صمام أمان للتوازن الاجتماعي والاقتصادي — أصبحت اليوم في وضعٍ لا تحسد عليه. فبين تراجع الحرفيين وتقهقر المقاولات الصغرى والمتوسطة، وتمدد نفوذ التجار الكبار والمجموعات الاقتصادية الضخمة، تضيع ملامح الدور الحقيقي للغرف المهنية، وتفقد وظيفتها التمثيلية أمام واقعٍ تغيب فيه العدالة الاقتصادية وتتعاظم فيه الفوارق الاجتماعية.

الحرفي المغربي… من عمود الإنتاج إلى هامش الاقتصاد

كان الحرفي المغربي، لعقود، عنوانً للاكتفاء الذاتي، ورمزً للمهارة والإبداع اليدوي. لكن اليوم، ومع زحف الرأسمال التجاري الجشع، وارتفاع الضرائب، وتراكم التكاليف الاجتماعية كـ”السينيسيس” وغيرها، أصبح الحرفيون يعيشون وضعًا خانقًا، يهدد وجودهم ذاته. لم يعد لهم صوت يُسمع داخل المؤسسات، ولا درع يحميهم أمام تغول السوق.

المقاولة الصغرى والمتوسطة… الضحية الصامتة

المقاولات الصغرى، التي كانت تشكل النسيج الحي للاقتصاد الوطني، أصبحت اليوم الحلقة الأضعف في سلسلة اقتصادية لا ترحم. بين ضرائب متزايدة، ومساطر إدارية مرهقة، ومنافسة غير متكافئة مع شركات كبرى تحظى بالدعم والامتيازات، تتآكل قدرة هذه المقاولات على الصمود. والنتيجة: انسحابات متكررة، إفلاسات صامتة، وتفكك للنسيج الإنتاجي المحلي.

الغرف المهنية… مؤسسات تبحث عن معنى

كانت الغرف المهنية تُعتبر فضاء للحوار، ولتأطير المهنيين، والدفاع عن مصالحهم. اليوم، تحولت إلى كيانات شكلية، فقدت بوصلتها في زمن الليبرالية المتوحشة. لم تعد تواكب التحوّلات، ولا تبادر بتصورات جديدة لحماية صغار المهنيين، واكتفت بدورٍ إداري باهت. في ظل هذا التراجع، تطرح أسئلة مشروعة: ما مستقبل الغرف المهنية؟ ومن يدافع اليوم عن الفئات التي كانت تمثلها؟

العدالة الاجتماعية… المدخل الضروري للإصلاح

إصلاح وضع الغرف المهنية لا يمكن أن يتم بمعزل عن مراجعة شاملة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية. فالدولة مدعوة إلى إعادة التوازن بين الرأسمال الكبير والاقتصاد المحلي، وإلى ضمان عدالة جبائية تراعي حجم النشاط لا حجمه الظاهري. كما أن إعادة الاعتبار للحرفي والمقاول الصغير ليست ترفا اجتماعيا، بل ضرورة استراتيجية لبناء اقتصاد وطني متوازن ومستدام.

حين تطحن الفئات الصغرى تحت عجلة السوق، يفقد الاقتصاد روحه، ويفقد المجتمع تماسكه. الغرف المهنية كانت — ويجب أن تعود — مدرسة للديمقراطية الاجتماعية، وجسراً بين الدولة والمجتمع المهني. لكن ذلك لن يتحقق إلا بإرادة سياسية صادقة تعيد الاعتبار للعدالة الاجتماعية كمبدأٍ مؤطر، لا كشعار موسمي.

بقلم: مولاي الحسن الصوصي – منبر الجهة الثامنة

بلحسن الصوصي

مدير نشر

مقالات ذات صلة

Back to top button
error: Content is protected !!

Adblock Detected

يجب عليك تعطيل مانع الإعلانات - Ad Block أو عدم إغلاق الإعلان بسرعة حتى يمكنك الإطلاع على المحتوى