
مولاي الحسن الصوصي
«درعة تافيلالت ليست عبئًا على الدولة، بل فرصة تنموية واعدة.»
تعيش جهة درعة تافيلالت منذ سنوات طويلة، وضعا تنمويا استثنائيا، يراوح بين التهميش المزمن وانتظارات ساكنة لم تعد تؤمن بالوعود المتكررة. فرغم الحديث المتزايد عن العدالة المجالية و”التوجه الجديد للدولة نحو الإنصاف الترابي”، ما زال السؤال الجوهري مطروحًا بإلحاح: هل ستتجه الحكومة فعلا إلى تخصيص ميزانية استثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
أم سيبقى الواقع كما هو، تحت منطق “المغرب النافع أولا”؟
جهة غنية بالإمكانات… فقيرة في الاستثمار
تتوفر درعة تافيلالت على ثروة طبيعية وثقافية قلّ نظيرها؛ واحات تمتد على آلاف الهكتارات، مؤهلات سياحية وطاقية ضخمة، تراث معماري وإنساني أصيل، وموقع استراتيجي يربط الجنوب بالوسط، لكن رغم كل ذلك، ما تزال الجهة تعاني من ضعف في الاستثمار العمومي وتراجع البنيات التحتية وغياب المشاريع الكبرى القادرة على خلق فرص الشغل وتحريك الدورة الاقتصادية. وهو ما جعلها تعيش اليوم اختناقًا تنمويًا غير مسبوق، في ظل تغيّرات مناخية وجفاف متواصل يهدد الواحات في عمقها الوجودي.
التوجه الجديد… أمل أم شعار؟
مع إطلاق مشاريع الشركات الجهوية متعددة الخدمات، وتفعيل مبدأ الجهوية المتقدمة، عاد الأمل في أن يكون هناك تحول فعلي في تدبير الشأن المحلي، غير أن التجربة الميدانية تكشف أن هذه الخطوات لن تكون كافية بدون ميزانية خاصة للإنعاش الجهوي وخطة تنموية واضحة المعالم تُشرك الجماعات الترابية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
المغرب النافع… من جديد؟
تكرار مشاهد التفاوت في توزيع المشاريع العمومية يُعيد إلى الأذهان الثنائية القديمة: المغرب النافع مقابل المغرب غير النافع، وهي ثنائية تهدد اليوم فلسفة الجهوية نفسها، ما لم يتم تجاوزها بمشاريع واقعية تهم البنية التحتية، الماء، التعليم، الصحة، والطاقات المتجددة.
لقد آن الأوان لتتحول الخطابات الرسمية إلى التزامات مالية واضحة، فإنقاذ واحات درعة تافيلالت ليس ترفًا تنمويًا، بل ضرورة وطنية لحماية التوازن البيئي والاجتماعي للمغرب العميق، الكرة الآن في ملعب الدولة: إما أن تُجسد التوجه الجديد بميزانية حقيقية للإنقاذ، وإما أن يبقى الحال كما هو… المغرب النافع أولًا، والبقية تنتظر دورها.
إن الرهان على الجهوية المتقدمة، لا يمكن أن ينجح إلا إذا تم تحرير القرار المالي الجهوي وربطه بالمسؤولية التنموية.
فالمطلوب اليوم ليس مزيدا من “التوجهات” و”الاستراتيجيات”، بل ميزانيات واقعية تُنصف الجهات التي ظلت على الهامش لعقود، فدرعة تافيلالت اختبار حقيقي لصدق الدولة في تنزيل مفهوم الإنصاف الترابي، ومدى استعدادها لتصحيح إرث “المغرب النافع” الذي لم يعد مقبولا في مغرب 2025.






