الحبيب عكي يكتب .. تنمية الجهة وثلاثة مقاربات مأزومة
أكيد أن الأمل في تنمية جهتنا درعة تافيلالت لا زال بعيدا رغم كل ثرواتها الهائلة ومتطلباتها المتواضعة وعقود من الانتظار ات وحتى المحاولات المتعثرة، فقط لأن لدينا إشكالات حقيقية في معنى التنمية بين مقاصدها و وسائلها، ولدينا إشكالات معقدة في مداخلها وحواملها، وإشكالات أكثر تعقيدا في برامجها ورجالاتها.. قبل قطاعاتها وميزانياتها، والضحية دائما هو مواطن الجنوب الشرقي الذي لازالت تزداد معاناته مع كل السياسات وكل الحكومات، ويبدو أن انتظاره للعدالة الاجتماعية والانصاف المجالي ورفع الضرر الجماعي..، لا زال من سابع المستحيلات رغم كل الشعارات والمجالس والقطاعات والصناديق والوكالات؟.
تلاث مقاربات تنموية مأزومة لازالت تقيد جهود التنمية في الجهة، قبل طبيعتها القاسية ومواردها المحدودة وأولها مقاربة القاضي والمحكمة، وحده من كرسيه يقود محاكمة المتهمين والأبرياء، عن يمينه وعن شماله كل الأعوان.. داخل القاعة وخارجها كل الشرطة والمخبرين.. بأمر منه يخرج من القاعة من يشاء.. من بدا من ملمحه أنه يستغرب تسييره، أو يرفض سؤاله وجوابه الذي أضحكه أو أبكاه، أو فقط أعياه ماراطون المحاكمة وروتينها القضائي فغالبه النوم فتثائب واتكأ على منضدته هنيهة.. يسأل المتهم كيف يريد.. ويجبره على الإجابة كما يريد.. وكأنه متهم حقيقي حتى قبل أن ينطق فيه بالحكم، يقبل من مرافعات السادة المحامين والنقباء ما يريد ويرد في وجوههم ما يريد.. وكأنه الكل في الكل، وغالبا ما ترفع في الموضوع صورة القانون والمشروعية والمصلحة العامة والأمن والاستقرار..، في حين أن ما وراء الصورة كله أو جله قد يكون غير ذلك من التعليمات والوساطات وإستدامة السياسة الأمنية والفتاتية للمغرب غير النافع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟.
المقاربة الثانية المأزومة – واقعيا على الأقل وحتى نظريا – وهي سلطات الرقابة، خاصة عندما يختلط أمرها بين التعاون والتكامل مع السلطة التمثيلية إلى منافستها والسطو على اختصاصاتها أو عندما يتحول دورها من دور الرقابة المشروع إلى دور الوصاية غير المشروع، بل ربما تجاوزه إلى “بلوكاج” سياسي وتنموي يتجرأ على إيقاف المشاريع ورفض التوقيع على الميزانيات، وربما التدخل الخفي والمعلن في تشكيل أغلبيات المجالس، وكأن المواطن قاصر في اختياراته الانتخابية وتوجهاته الاجتماعية، أو أن المستشارين الجهويين والجماعيين أيضا قاصرون ولا يحرصون على المصلحة العامة كغيرهم من المسؤولين المعينين والذين لم يخترهم المواطنون بقدر ما فرضوا عليهم فرضا أحيانا يكون جيدا وأحيانا غير ذلك؟. لماذا رفضت هذه السلطات توقيع ميزانيات جماعات دون غيرها؟، لماذا تدخلت لفرض أقصاء دعم الجمعيات على هزالته؟، لماذا كانت الجماعات التي صودق على ميزانياتها أكثر الجماعات التي عرفت الوقفات والمسيرات وغيرها من أشكال الاحتجاجات؟، ماذا تقول هذه السلطات وقد برأ القضاء رؤساء الجماعات المتهمة في ما بعد وضد هذه السلطات بعينها؟، من يرد لها ولهم اعتبارهم وما تم هدره من زمان جماعاتهم التنموي؟.
المقاربة الثالثة، هي المجالس الجهوية والجماعية في حد ذاتها.. تكوينها.. اختصاصاتها.. رجالاتها.. اشتغالها.. قبل إكراهاتها وإمكانياتها.. فعندما يفوز حزب ما بأغلبية ويضطر للتحالف مع غيره بدل أن يكون مسؤولا عن مرحلته التي سيحاسبه عليها المواطن في ما بعد.. هل سينتج؟، وعندما تكون هذه التحالفات حزبية مركزية أو مخزنية تدخلية لا جهوية ولا محلية حسب المصلحة الجماعية واختيارات أبناء المنطقة في تحالفاتهم.. هل سينتج؟، وعندما يحاسب المستشار من طرف من هب ودب إلا المواطن الذي انتخبه والذي تسرق إرادته في الهيئات الانتخابية العليا من طرف ذوي الأموال والنفوذ الذين لا تعنيهم غير مصالحهم وما يمكن أن يضمنوا لها من حماية؟. وعندما تكون ذاتية المستشارين مضخمة ويصبح منطق التجاذب والأنفة أو الإقصاء والمعارضة لأغراض انتخاباوية تخيب الجميع.. هل سينتج؟، وعندما يكون المجلس مجرد ساع لدى الوزارات والوكالات والمنظمات باسم الشراكات أو ينوب عن عجز الحكومة وغيابها.. هل سينتج؟، وأكثر من ذلك عندما تصبح القيادة وكأنها مجرد أداة تنفيذية تعقد دوراتها مع مستشارين بقدر ما كانوا “عنتريين” في المجلس السابق بقدر ما أصبحوا اليوم “حمائم” لا تكاد تسمع لهم همسا.. وكأنهم في اجتماع مقاولاتي مع صاحبها، المرضي عنه من يصوت فقط من أجل التصويت، ولا أدري أية تنمية ستنتج عن هذا التصويت غير هذا الهدر التنموي.. وعبثية المشهد السياسي.. والجهوية المتقدمة.. والنموذج التنموي الجديد.. في تغييب للصحافة والرأي العام.. وإقصاء للمجتمع المدني.. وعدم القدرة على تنظيم التشاور العمومي الذي طالما أكد عليه الدستور الجديد؟.