كلام في كفاءة النخب السياسية المتنافسة بدرعة تافيلالت
عبد الرزاق أوزين
إذا توقفنا لنتأمل أهم الأزمات التي تعوق مسيرة التنمية الحقيقية بدرعة تافيلالت، تعوض ما عطلته تجربة التدبير الفوضوي للمجلس المنصرم.. فسنجد أنها أزمات تتجاور أفقياً، لذا لا يمكن حلها بشكل فردي، بل لابد من حلول شاملة تعتمد أسلوب الحركة أفقيا، فأزمة الإدارة الترابية الفتية تجاور أزمة النخب المحلية المهترئة، كما أن هذه الأزمات تتوازى مع أزمة الأداء الإعلامي الترابي وأزمة النسيج الجمعوي، وأزمة التنشئة الاجتماعية وتأثيرها في تربية وانتاج النخب المحلية .. يجاور هذا كله بلا شك أزمة نظام اقتصادي محلي – أساسه الاقتصاد التضامني – يجري تحديثه وإصلاحه ببطء.. ونظام اجتماعي متعثر تتراوح اختياراته بين الرغبة في التدبير الحر والمنتج للجهة وهوامش الانتماء الترابي الذي يكرس الحضور الرمزي والقوي للعصبية القبلية.
يجتمع هذا كله في إطار جهة درعة تافيلالت باعتبارها نسق اجتماعي غير منسجم .. والحركة الأفقية لحل هذه الأزمات في جهد متواز، يلزمها أولا تهيئة «المناخ العام» لبلورة التنمية الترابية، بما يعني ذلك وجود الظروف التي تسمح بقدر كبير من التفاوض في التدبير، تتيح لكل الأنساق المكونة لبنية الجهة، أن تعبر عن نفسها، وتؤدي وظائفها، وتحقق حاجياتها في اطار التفاوض الجماعي، بحيث تصبح الشراكة والتفاعل والتعاون هو القاعدة، والصراع والاعتلال الوظيفي هو الاستثناء المكروه،إلا في أضيق نطاق إذا استدعته الدواعي الأمنية أو من هو في حكمها.
ومن خلال استقرائنا للوائح المتنافسة على مقاعد الجهة بالاقاليم الخمس للجهة، ومشاريع رؤساء الجهة المقدمة للناخبين، يمكن لنا ان نجزم ان جلها ستكرس الازمة الحالية، وان المعيار الحاسم في تحديد وكلاء اللوائح راجع اما للانتماء الترابي والعصبية القبلية، او الاعيان وسماسرة الانتخابات، في مقابل تهميش الكفاءات والخبرات السياسية منها والتكنوقراطية.
فمثلا المصباح دخل بقناديل يصلحون لكل شيء الا التدبير والتسيير، وخير نموذج قنديلي اقليم الراشدية وميدلت،الذين يتقنان فن انتاج الاعداء، وجهين لعملة فاسدة ومهترئة، اثبتت الولاية المنصرمة من جهة درعة تافيلالت انه كان من الاولى تقديمهم للمحاكمة بدل عرضهم وكلاء لوائح، وليس من راى كمن سمع والعهدة على الراوي.
أما الجرار فمازال مع “اللعبة” السياسية بمنطق الاعيان والولائم والعصبية القبلية التي تكرس الوضع القائم،فوكلاء اللوائح في الاقاليم الخمس كراكيز مدفوعة من الخلف وبقوة، ليس لها من الامر شيء، بكماء لا تقدر على شيء و هي كَلٌ على أسيادها من الاعيان وسماسرة الانتخاب، اينما وٌجهَت لن تأتي بخير.
اما النخلة التي أصابها “البايوض” واختارت لنفسها رمال ايت خباش وبقايا متبعثرة من واحة زيز بارفود وجنان النبي بالجرف،ستعطي الرطب من فوق، والشوك من تحت ، ولن تسمح للذئاب ان تنعم بظلها، وستطلق العنان لجدورها كي ترتوي من كعكة الجهة، خصوصا بعدما جردتها زحف رمال ايت خباش من “الورد” الاحمر الذي عشش بجوارها.
أما الكتاب ففصوله مبعثرة وغير متناسقة، عنوانه يلفت الانظار غير انه زَبَدٌ لا فائدة ترجى منه،حشو من الاعيان والنخبة المهترئة، ليس فيه الا المقدمة التي تزينه خبرة وكفاءة وكيل لائحة تنغير،الذي استطاع ان يعزز كفائته العلمية وخبرته المهنية بانتمائه الترابي بتجميع قبائل النيف الكبرى. وان كان من الوجوه القوية المحتملة لرئاسة المجلس المقبل، الا ان اليد الواحدة لا تصفق.
اما الميزان فقد اختلت كفتيه، وفقد الكثير من “صروفه”، لم يقدم وجوها لرئاسة الجهة،غير أنه لن يستقيم توازن المجلس المقبل بدونه، سيستفيذ من “بركة” اتزان الكفة خارج الجهة، واستقرار “القُبًة” على الميزان.
أما الحمام الزاجل، فقد استفاذ من موسم الحصاد بتنغير،ومن سرب الطيور المهاجرة بالراشدية، ومن شجرة العائلة الطويلة الاغصان بميدلت، انه سرب قوي زاحف من فوق، فيه الحمام الزاجل كما الغربان،غير اجمل ما فيه حمام الراشدية، الذي جمع بين التقنية العلمية كمهندس، والخبرة المهنية كمدير جهوي سابق، وهو من الوجوه الاكثر حظا لرئاسة الجهة.
عذرا لك ايها “الورد الاحمر” فليس فينا عشاق، وعذرا لك يا “سنبلة” فقد مر زمن الحصاد، وعذرا لغصن الزيتون فلازلت أخضر لم تنضج بعد.. ومن خلالهم عذرا لك يا تنمية فلم يحن بعد اوانك في درعة تافيلالت.
خلاصة القول، مازال الحقل السياسي تسيطر عليه النخب التقليدية، لكن البيئة الاجتماعية لاتسمح، في الحقيقة، بتكوين نخب سليمة ومبدعة وقادرة على التغيير والتجديد والإبداع. وهذا ما يجعل أغلب اللوائح المعروضة حاليا لتدبير شؤون جهة درعة تافيلالت ستكرس الازمة؛ لكون فاقد الشيء لا يعطيه لغياب الكفاءة والعلمية؛ وكذلك لتنامي خطاب العصبية والعرقية والقبلية.
كما يتنافى تنصيب هذه النخب في مواقع القرار، بالطريقة المختلة حاليا، مع مقاييس الشفافية، والكفاءة، والعدالة، والمساواة، والإنصاف، ومبادىء الديمقراطية الحقيقية؛ وهذا ما يجعل طيف الاصلاح والتغيير والتنمية بهذه الجهة، مجرد سراب ووهم وخيال لن يتحقق أبدا إلا في مخيلة المحظوظين والمنعمين والمستفيدين من خيرات الجهة، مادامت ظروف انتاج نخب قوية – إلى يومنا هذا – غير متاحة وغير موجودة وغير مجسدة في حياتنا اليومية.